2012/02/21

رفض مشروع قانون حرية التعبير

نواصل مع مشروع قانون حرية التعبير و التظاهر السلمي الذي رفعته الحكومة الى مجلس النواب لمناقشته و المصادقة عليه , كنت قد كتب موضوع سابق حول علاقة حرية التعبير بموضوع التنمية و لماذا نهتم بحرية التعبير كناشطين تنمويين , اليوم اريد ان اوضح قضايا جوهرية يجب اخذها بالاعتبار في موضوع صياغة قانون لحرية التعبير في العراق .

بسبب تاريخ العراق السياسي المتسم بالتسلط الدكتاتوري خصوصا خلال 60 عام الاخيرة فقد تطبع المواطن العراقي على القمع خصوصا قمع حريته في التعبير بل و في التفكير وهذه حقيقة مؤسفة, و بعد 2003 و تغير النظام السياسي و تغير الدستور في عام 2005 اصبحنا امام فلسفة جديدة تحكم التشريع و تحاول ان تشق طريقها في المجتمع العراقي هي فلسفة حقوق الانسان و الديمقراطية و التمدن الحضاري ( بمعناه الاشمل ) ولكن يجب ان نسأل هنا هل يكفي سقوط النظام الدكتاتوري البعثي عام 2003 في احداث التغييرات المطلوبة في العراق فكريا و اجتماعيا ؟ بالتأكيد الاجابة هي كلا , لذلك يجب على الدولة العراقية من خلال تعاضد السلطات الثلاث و اعترافها بالفسلفة الجديدة المشار لها اعلاه و اعتناقها بغض النظر عن الاختلافات السياسية و التوجهات و المصالح , فهذه الفلسفة ( فلسفة حقوق الانسان و الديمقراطية ) هي المشترك الاكبر الذي يجمع كل افراد الشعب العراقي من اي مذهب او دين او قومية كانوا و الايمان بها هو ايمان بأمل ان يكون مستقبل العراق افضل من حاضره و ماضيه.

لذلك نريد من قانون حرية التعبير ان يكون قانونا يقوم بوظيفتين في نفس الوقت وهما :

1- وظيفة حماية حق التعبير عن الرأي لكل العراقيين , وهذه الحماية نحتاجها في مواطن معروفة يكون المواطن فيها ضعيفا و بحاجة الى الحماية اذا عبر عن رأيه بحرية و لا نحتاج الى هذه الحماية في حالة كون المواطن قويا اذا عبر عن رأيه بحرية , فمتى يحتاج المواطن للحماية اذا عبرعن رأيه ؟ الاجابة تعتمد على رأي المواطن بكل تاكيد فاذا كان رأيه متوافقا مع ما تراه السلطة و ما يراه اغلبية المجتمع فلا اشكال ولا ضرورة لحماية صاحب الرأي بل سيكون مرحبا به بكل تأكيد من الجميع ولكن المشكلة تحدث حينما يكون رأي المواطن مخالفا لما يريد من يقبض على السلطة او من له سلطة اجتماعية وان كانت غير رسمية هنا تكون الحاجة ماسة الى حماية المواطن و حماية رأيه حتى لو كان رأيه خطأ ( حسب وجهة نظرنا ) ما دام المواطن لم يتجاوز على شخص بطريقة ( السب و القذف ) بشكل حقيقي او توجيه تهمه يعاقب عليها القانون بنص واضح فيجب ان يوفر القانون الحماية الكاملة لمن يصرح برأيه ويمنع الاخرين من التعرض له بأي طريقة عنيفة او مؤذية قد ترهبه او تمنعه من التصريح برأيه وهنا لنا وقفة قصيرة , ما هي اكثر الميادين التي يخشى اغلب الناس من التصريح برأيهم علانية خشية الاخرين ؟
أ - الموضوع السياسي : عندما ينتقد مواطن المسؤول و يحاول المسؤول ارهاب الاخرين بأي طريقة من الطرق من المساس به على ان يكون انتقاد المواطن للمسؤول محصور في طريقة ادائه لعمله و ادائه مع عدم توجيه تهمه له بشكل مباشر يمكن ان يعاقب عليها القانون العراقي فيما لو صحت الا اذا كان لدى المواطن الدليل الذي يمكنه تقديمه الى القضاء بهذا الخصوص وهنا يجب ان يتدخل قانون حرية التعبير لحماية المواطن اذا صرح برأيه علانية و انتقد شخص سياسي ان كان فردا او كيانا سياسيا بغض النظر عن مكانة هذا الشخص .
ب - الموضوع الديني : هناك الكثير من الباحثين الاكاديمين و المفكرين الذين لديهم افكار او بحوث علمية على قدر كبير من المصداقية تخص مواضيع دينية او شخصيات مقدسة لدى بعض الطوائف او المذاهب وقد تكون هذه طوائفهم او مذاهبهم ولكنهم يخشون اعلانها صراحة خشية رد فعل جهات دينية او حتى خشية رد فعل الشارع , وهنا يجب على القانون ان يتدخل لحماية هؤلاء و منع قمعهم بحجة احترام المقدسات ما دام الامر صادر من اشخاص لهم مكانة علمية معروفة و ما دام الطرح علميا بحتا.
ج - الموضوع الاجتماعي : هناك الكثير من العادات و الاعراف الاجتماعية المتحكمة في اعداد كبيرة من الشعب و توجه لها الانتقادات بصوت منخفض خشية التعرض الى الاذى هنا يجب ان يتدخل القانون لحماية من ينتقد هذه الاعراف و العادات و يصرح بذلك ما دام الامر بعيدا عن الاهانة المباشرة .

من المؤكد ان هذه الميادين الثلاثة حساسة و تحتاج الى دراية و خبرة لدى السلطة القضائية للتمييز بين الطرح المقبول وغير المقبول في هذه الميادين بهدف حماية اصحاب الرأي و ابعادهم عن الاذى و القمع و كذلك بنفس الوقت منع اي استخدام سيء لحق التعبير عن الرأي بما يهدف الى تغذية الارهاب او الانقسام الطائفي .

اذا في المحصلة يجب ان يكون القانون حامي لحق حرية التعبير وليس منظما فقط له.

2- وظيفة تنمية حق التعبير عن الرأي : وهذه الوظيفة الثانية التي يجب على القانون ان يقوم بها من خلال تنظيم التوعية باساليب التعبير عن الرأي الصحيحة و المقبولة و ذلك من خلال تخصيص تمويل مناسب للجهات التربوية و العلمية و الثقافية في العراق و بشكل مستمر و ثابت لنشر الوعي بحق التعبير عن الرأي بكافة صوره على ان يتم التركيز في التوعية على السلطة القضائية ابتدأ ثم السلطة التنفيذية و باقي افراد الشعب و عدم ترك الامر مشوشا هكذا بين خائف من ممارسة حقه في التعبير عن رأيه و بين متطرف في التعبير عن رأيه متجاوزا على حقوق الاخرين في حفظ كرامتهم و حرمتهم .

حق التعبير عن الرأي حق طبيعي لا يمكن التصرف به بالالغاء او التحجيم من اي جهة كانت و بأي حجة كانت ولكن يحتاج الى توعية و ارشاد لا اكثر و بغير حق التعبير عن الرأي لن تصمد الديمقراطية في العراق.

ماجد ابوكلل
21 شباط 2012


2012/02/18

التنمية حرية: مؤسسات حرة, وإنسان متحرر من الجهل والمرض والفقر

منقول


"التنمية حرية: مؤسسات حرة, وإنسان متحرر من الجهل والمرض والفقر"

أمارتيا صن (ت. شوقي جلال), عالم المعرفة, ماي 2004, 405 ص.

1- ولد أمارتيا صن بدكا عاصمة بنغلاديش في العام 1933, ويقال إن الشاعر الهندي طاغور هو الذي اختار له إسمه, كون كلمة أمارتيا تعني بالبنغالية "غير القابل للفناء". هاجر مع عائلته إلى الهند بعد تقسيمها سنة 1947, ودخل جامعة "فيسفا بهارتي" بكلكوتا, ثم مدرسة دلهي للاقتصاد, قبل أن يلتحق في العام 1956 ب"ترتينيتي كوليج" بجامعة كامبردج (التي حصل من بين أروقتها على درجة الدكتوراه في الاقتصاد, على الرغم من كونه كان شديد الاهتمام بالتزامن وذلك بالفلسفة), ليصبح مديرا له فيما بعد, ويكون بذلك, أول جامعي أسيوي يسير مؤسسة بهذا التألق من بين ظهراني جامعة كامبردج الشهيرة.

مارس مهنة تدريس الاقتصاد بجامعة كلكوتا, ثم بجامعة جادافبير بدلهي, فجامعة أكسفورد, ثم بمدرسة لندن للاقتصاد, وجامعة هارفارد ما بين العام 1998 و 2004 ليعود بعد ذلك إلى هارفارد.

حصل في العام 1998 على جائزة نوبل في الاقتصاد عن عمله "اقتصاد الرفاه", ثم  حصل فيما بعد, على العديد من الجوائز الدولية من الهند وإيطاليا... وبنغلاديش تيمنا وتكريما لأصوله البنغالية.

له العديد من المؤلفات ضمنها "الفقر والمجاعات" (1971), و"الأخلاق والاقتصاد" (1993), و"الاقتصاد علم أخلاقي" (2004), و"العقلانية والحرية في الاقتصاد" (2005), فضلا عن العديد من المقالات والدراسات...ناهيك عن ثويه خلف تصميم "معيار التنمية الإنسانية" الذي تتداوله اليوم العديد من دراسات المنظمات الدولية, وتبني عليه توجهاتها وتصنيفاتها للدول والحكومات.

2- يقول المترجم في تمهيده للكتاب: "يمثل هذا الكتاب إحدى الرؤى الإبداعية بامتياز للعالم الثالث إزاء قضية التطوير الحضاري, التي يختزلها الساسة والاقتصاديون في عبارة/مسألة واحدة هي التنمية الاقتصادية, وفي مظهر ومعيار اقتصادي واحد هو الدخل, أو إجمالي الناتج القومي ومعدلات الإنفاق, من دون كل جوانب الحياة الأخرى النوعية, ومن دون الحرية بمعناها الواسع, أو أدوات وقدرات الحرية من تعليم, ورعاية صحية, وحق التعبير, والحصول على المعلومات, وفرص اختيار الحياة...الخ. والنتيجة إخفاق تلو إخفاق, وعجز عن المنافسة".

ويتابع القول في استقراء لفكر أمارتيا صن: "إن تنمية رأس المال البشري, تنمية قدرات الإنسان/المجتمع لا تأتي قسرا, ولا تتحقق أبدا في مناخ استبدادي أو بناء على قرار سلطوي. كما أن العدل الاجتماعي لا مكان له في ظل نظام, الحاكم فيه هو الكلمة/الحق النافذة, وهو الصواب والمرشد والموجه الهادي. الحرية آلية تطوير حضاري وهي في الآن نفسه ثمرة متطورة النضج لهذا التطوير".

ويؤكد المترجم أن تفضيل أمارتيا صن لمصطلح رأس المال/القدرة البشرية, بدلا من راس المال البشري, مؤداه أن التركيز على هذا الأخير, هو من التركيز على فعالية البشر كأدوات في زيادة إمكانات الإنتاج, في حين أن منظور رأس المال/القدرة البشرية "يضع في بؤرة الاهتمام قدرة (الحرية الموضوعية) الناس على بناء حياة, لديهم أسباب عقلانية للنظر إليها كشيء قيم, وعلى تعزيز خياراتهم الحقيقية, وكفالة مقومات هذه القدرة وتطويرها. وهنا يكون الإنتاج وسيلة لهدف, هو حرية ورفاه الإنسان ...الإنسان بمواصفات حضارية جديدة هو الهدف والغاية, والاختلاف بين المنظورين هو في أداة قياس التقدير".

3- ينقسم كتاب "التنمية حرية" إلى إثنا عشرة فصلا, بالإمكان محورتها هنا حول الأفكار السبع التالية:

+ الأولى, وتتعلق بمنظور المؤلف لمسألة الحرية, ويركز فيه على الحرية الأولية, أي "القدرة على البقاء, بدلا من الوقوع ضحية لموت مبكر", جراء الفقر أو الجوع أو ضعف وسائل التطبيب والصحة. وهي حرية موضوعية بنظر الكاتب, قد تحد منها معطيات موضوعية أهمها سبل توسيع أو تقييد فرص السوق, أو مدى مركزة القرارات ذات الطبيعة الاقتصادية, أوحجم مشاركة المواطنين في تحديد الأولويات.

هذه الأخيرة مرتبطة بذهن الكاتب, بقضية أهم وأخطر, تتعلق بمصدر السلطة والشرعية, إذ أن "أية محاولة لتعطيل حق حرية المشاركة, تأسيسا على قيم تقليدية (مثل الأصولية الدينية, أو العرف السياسي, أو ما يسمى القيم الآسيوية) إنما هو ببساطة, إغفال لقضية الشرعية, ولحاجة الناس أصحاب المصلحة في المشاركة, من أجل اتخاذ قرار بماذا يريدون, وماذا يقبلون, مدعوما بالأسباب العقلانية".

نفس الشيء بالنسبة لجانب المعرفة, إذ ما دامت المشاركة "تستلزم توافر المعرفة, وقدرا من المهارات التعليمية, فإن حرمان جماعة ما (إناث الأطفال مثلا) من فرصة التعليم, إنما يعتبر على النقيض مباشرة للشروط الأساسية لحرية المشاركة".

بالتالي, يقول المؤلف, فإن "ما من شأنه أن يكون ذا أثر مدمر (الذي غالبا ما نلمسه في أدبيات التنمية) هو إغفال اهتمامات محورية وثيقة الصلة, بسبب قصور الاهتمام بحريات الناس المعنيين".

+ الفكرة الثانية, وتتعلق بأطروحة للمؤلف, يتبنى فيها كيف أن الحرية قد يكون من شأنها تغيير التحليل التنموي المعتمد, على خلفية أن "الآراء ضيقة الأفق عن التنمية (في ضوء نمو إجمالي الناتج القومي مثلا أو التصنيع) غالبا ما تثير سؤالا عما إذا كانت حرية المشاركة السياسية والمعارضة تفضي, أو لا تفضي إلى التنمية".

ويحسم المؤلف موقفه قائلا: "إن المرء, حتى لو كان من أكثر الناس ثراء, إذا ما حيل بينه وبين التعبير بحرية عن رأيه, أو إذا حظرت عليه المشاركة في الحوارات العامة أو في اتخاذ القرارات العامة, فإنه يصبح بذلك محروما من شيء يراه عن حق شيئا قيما. وإن عملية التنمية إذا ما حكمنا عليها على أساس تعزيز الحرية البشرية, فلا بد أن تتضمن إزاحة هذا الحرمان الذي يعانيه المرء".

بالتالي, يقول الكاتب, فإن الحرية ليست غاية فحسب, بل هي أيضا وسيلة. "ويعني الدور الأداتي للحرية, بالطريقة التي تسهم بها الأنواع المختلفة من الحقوق والفرص والصلاحيات, لتوسيع نطاق الحرية الإنسانية بعامة".

الحرية الأداتية, بنظر المؤلف, تتعلق بالحرية السياسية بما هي شاملة للحقوق المدنية, من استحقاقات سياسية, وفرص حوار واختلاف, ونقد سياسي وما سواها.  ثم هناك الحرية الاقتصادية كرابط عميق بين "الدخل القومي والثروة القومية من ناحية, والاستحقاقات الاقتصادية للأفراد من ناحية أخرى".

ثم الحرية الاجتماعية, وما يرتبط بها من موضوعات التعليم والرعاية الصحية وغيرها, "والتي تؤثر في الحرية الموضوعية للفرد من أجل حياة أفضل".

هذه الأدوار الأداتية للحرية هي التي من شأن الارتكاز عليها صوغ مصير الناس, كي "لا يكونوا عناصر سلبية, تتلقى ثمار برامج تنمية جذابة في ظاهرها", لكنها غير مضمونة التداعيات على الأفراد أو الجماعات.

+ الفكرة الثالثة, ومفادها العلاقة بين الحرية والعدالة. ويتحدث فيها الكاتب عن النظريات النفعية (زيادة المنفعة واللذة والسعادة, أو تحقيق الرغبات وما سوى ذلك) ودورها في التنمية. ويلاحظ أن هذه النظريات مجتمعة, تستخدم الدخل والسلعة كأساس مادي للرفاه, في حين أن ثمة بون فارق بين هذا المعيار وما يتحصل عليه المرء من حرية, جراء الفوارق والتباين في الدخول, وما يستتبع ذلك من مظاهر الفقر والجوع والحرمان.

بالتالي, فالمهم بنظر الكاتب, ليس هذه المنافع المادية المباشرة, بقدر أهمية حيز الحريات الموضوعية (أو القدرات) "لاختيار المرء حياة لديه المبرر لإضفاء قيمة عليها". من هنا وجب أن ينصب الاهتمام لا على السلع في ذاتها, بل على الحريات التي تولدها في الزمن والمكان.

+ الفكرة الرابعة, ويتحدث فيها الكاتب عن الفقر كحرمان من القدرة. ويميز الكاتب هنا بين فكرة الفقر كنقص في القدرة, وبين الفقر كنقص في الدخل, وأنه لا يمكن الربط بينهما مادام الدخل وسيلة مهمة للحصول على القدرات.

بالتالي, فأمارتيا صان لا يربط الفقر بالدخل المباشر الذي قد يتحصل عليه المرء من عمل ما أو عبر دعم حكومي (باعتبار الدخل ليس الأداة الوحيدة للعيش), ولكن أيضا بالمعطيات المختلفة التي تحول دون توليد القدرات لدى الأفراد, للزيادة في دخولهم وبالتالي تحسين ظروف عيشهم. ويعطي نموذجا على ذلك بالبطالة, التي هي أداة لمنع سبل توليد هذه القدرات.

لا يرجع الكاتب هذه الإكراهات للظروف الاجتماعية فحسب, بل وأيضا للأسواق العالمية وللدولة كذلك, بجهة "ما يمكنها أن تفعله وما هو مسموح لها بأن تفعله", بجهة الانفتاح أو بجهة التقييد...والكل محكوم بدرجة وطبيعة العقلانية المعتمدة بهذا البلد أو ذاك, والتي لا يضمنها السوق إلا إذا كان مشروطا بتدابير, وترتيبات سياسية واجتماعية محددة.

+ الفكرة الخامسة, ويركز فيها المؤلف على ما يسميه ب"أهمية الديموقراطية". ويعتقد هنا أن الترابطات المتبادلة والمتداخلة بين الحريات السياسية والاحتياجات الاجتماعية ليست أداتية فحسب, بل هي أيضا بنيوية. إذ "إن الحريات السياسية يمكن أن يكون لها دور مهم في توفير الحوافز والمعلومات, من أجل حل الضرورات الاقتصادية الملحة".

ويتساءل الكاتب: "هل نظام الحكم الاستبدادي مثمر فعلا؟". ويجيب أن الملاحظة تبين أن العديد من الدول الاستبدادية بآسيا وبأمريكا اللاتينية, حققت معدلات نمو اقتصادي معتبر. لكنه يعترف بالآن ذاته, بأنه ليس ثمة شواهد مدققة, تثبت العلاقة بين نظام الحكم الاستبدادي والقامع للحريات السياسية, وبين مستوى التنمية الاقتصادية المحقق.

بالمقابل, وجب النظر بتمعن ليس فقط في نمو إجمالي الناتج المحلي أو بعض المؤشرات الكمية الأخرى, بل يتعين النظر أيضا إلى أثر الديموقراطية في الحريات السياسية, على حياة وقدرات المواطنين.

ثم هل بالإمكان القول بأن الدول الفقيرة لا تقيم اعتبارا للديموقراطية والحقوق السياسية؟ يتساءل المؤلف. بهذه النقطة, يتصور صان أن رفض القمع والحرمان, وتنكر الحكام لمطالب شعوبهم واحتجاجاتهم تبين العكس. لا تبين أنهم أكثر التصاقا بالحقوق السياسية, حتى وإن لم يعبروا عنها بالمصطلحات الرائجة.

من هنا تركيز أمارتيا صن على "الدور البنائي للحرية السياسية", والأهمية الأداتية لهذه الأخيرة, كون الديموقراطية مهمة في طبيعتها الجوهرية, وفي إسهاماتها الأداتية, وفي دورها البنائي في ابتكار قيم ومعايير جديدة أو متجددة.

+ الفكرة السادسة وترتبط بمجال تخصص الكاتب, مجال المجاعات. حيث يلاحظ اننا "نعيش في عالم يسوده على نطاق واسع, الجوع ونقص التغذية والمجاعات المتكررة...ولكي نقضي على الجوع في العالم الحديث, يتعين بشكل حاسم فهم أسباب حدوث المجاعات, ضمن إطار تفكير عام وملائم, وليس فقط في إطار توازن ميكانيكي بين الغذاء والسكان".

ولعل الشيء الحاسم في ذلك, بنظر الكاتب, إنما تحليل الجوع في كونه حرمانا من الحرية الموضوعية للفرد والأسرة, لتأكيد ملكيتهم لكمية كافية من الغذاء, عبر زرعها أو شرائها من السوق. لا بل إن الجوع, بنظره, لا يرتبط فقط بكمية الغذاء المنتج فرديا, بل وكذلك بالاقتصاد في مجموعه, وكذا بتفعيل التنظيمات السياسية والاجتماعية التي يمكن أن تؤثر في الناس, لتوفير الغذاء لهم.

بالتالي, فإن "نقص التغذية والجوع والمجاعات تتأثر بعمل وأداء الاقتصاد والمجتمع في صورتهما الكاملة, وليس فقط بإنتاج الغذاء والأنشطة الزراعية". من هنا أهمية التكافل بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي في محاربة هذه الآفات, وعدم تهميش القدرات المضيعة, من قبيل دور المرأة في التغير الاجتماعي التي أفرد لها الكاتب فصلا كاملا (الفصل الثامن).

وفي حديثه عن العلاقة بين الديموقراطية والمجاعة, يلاحظ الكاتب أن "الشيء المؤكد عن يقين, أنه لم تحدث أبدا مجاعة في ظل ديموقراطية تعدد الأحزاب تؤدي دورها الحقيقي بكفاءة". قد يكون ذلك عرضيا في التاريخ, وقد يكون للأمر تفسيرات بنيوية, لكن المؤكد بنظره, أن للديموقراطية دورا وقائيا كبيرا في الحيلولة دون قيام مجاعات على نطاق واسع كما نلحظ ذلك بالنظم الاستبدادية, حيث العلاقة متوترة بين السكان والغذاء والحرية (الفصل التاسع).

+ الفكرة السابعة, ويتطرق الكاتب فيها لإشكالية "الثقافة وحقوق الإنسان", ويوضح كيف أن هذه الإشكالية لقيت في السنين الأخيرة, دعما وتأييدا كبيرين, "وأصبح لها ما يشبه المكانة الرسمية في الخطاب الدولي, وتلتقي بانتظام لجان لها تقديرها واحترامها للتباحث بشأن الالتزام بحقوق الإنسان, أو انتهاكها في مختلف بلدان العالم".

ويناقش الكاتب, بهذه النقطة, مصدر هذه الثقافة والحقوق, والقيم الثاوية خلفها, وهل هذه القيم كونية, أم أن لكل جهة من العالم مرجعياتها وقيمها في ذلك.

لا يستفيض الكاتب في ذلك كثيرا, لكنه يركز على المشترك بين منظومات القيم والمتمثل في الحرية, ومدى سعة الإرادة والاختيار, وتراجع "قيم" الاستبداد والتسلط, والحجر على معتقدات الناس, وتمثلاتهم لذواتهم وللكون من حولهم. بالتالي, فإن قصور التطور الاجتماعي إنما "يعوق بشدة مدى ونطاق التنمية أو التطوير الاقتصادي", وإلا فما معنى الحديث عن العلاقة بين التخلف وشيوع الفساد مثلا في عالم الأعمال, والذي يجعل السياسات العمومية عديمة الجدوى أو تكاد؟

ويخلص الكاتب إلى فكرة أساس, مفادها أن الحرية (الفردية كما الجماعية) هي بالأصل وبالمحصلة التزام اجتماعي. والالتزام مسؤولية والمسؤولية تقتضي الحرية.

ويختتم بقول لوليام كوبر: "الحرية تزهو بألف وجه من الجمال الفتان....لا يعرفها العبيد مهما كانوا بحياتهم قانعين"

كل ذلك لأن "التنمية/التطوير التزام جليل الشأن, ننجزه بإمكانات الحرية".

يحيى اليحياوي
الرباط, 12 أبريل 2007  




2012/02/17

مشروع قانون حرية التعبير لا يلبي طموحنا في تحفيز التنمية


مشروع قانون حرية التعبير لا يلبي طموحنا في تحفيز التنمية


أحالت الحكومة مشروع قانون (قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي ) و ذلك قبل عدة اشهر مضت و فيما يلي نص المشروع كما نشر على موقع جريدة المدى البغدادية في يوم السبت 26/11/2011 :
باسم الشعب
مجلس الرئاسة
بناء على ما أقره مجلس النواب وصادق عليه مجلس الرئاسة واستنادا الى احكام المادة (38) والبند (أولا) من المادة (61) والبند (ثالثا) من المادة (73) من الدستور صدر القانون الآتي:
رقم (   ) لسنة 2010
قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي
الفصل الأول
التعاريف والأهداف
المادة – 1 – يقصد بالتعابير لأغراض هذا القانون المعاني المبينة إزاءها:
اولا- حرية التعبير عن الرأي: حرية المواطن في التعبير عن أفكاره وآرائه بالقول او الكتابة او التصوير او بأية وسيلة اخرى مناسبة بما لا يخل بالنظام العام او الآداب العامة.
ثانيا- حق المعرفة: حق المواطن في الحصول على المعلومات التي يبتغيها من الجهات الرسمية وفق القانون،خاصة المعلومات المتعلقة بأعمالها ومضمون أي قرار او سياسة تخص الجمهور.
ثالثا- الاجتماع الخاص: الاجتماع الذي يحضره المدعوون بصفة شخصية ولو تم عقده في مكان عام.
رابعا- الاجتماع العام:الاجتماع الذي يعقد في مكان عام أو خاص ويكون الحضور متاحا للجميع.
خامسا- التظاهر السلمي: تجمع عدد غير محدود من المواطنين للتعبير عن آرائهم او المطالبة بحقوقهم التي كفلها القانون التي تنظم وتسير في الطرق والساحات العامة.
سادسا- الاجتماع الانتخابي: الاجتماع الذي يكون الغرض منه التعريف بالمرشح لأغراض الدعاية الانتخابية ويقع خلال الفترة التي يحددها القانون.
المادة – 2 – يهدف هذا القانون الى ضمان وتنظيم حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي وحق المعرفة بما لا يخل بالنظام العام او الآداب وتحديد الجهات المسؤولة عن تنظيمها.
الفصل الثاني
حرية التعبير عن الرأي
المادة – 3 – أولا – للوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة إنشاء قاعدة بيانات مفتوحة ليتمكن الجمهور من الاطلاع عليها، ولها نشر المعلومات عن سير اعمالها.
ثانيا – تختص المفوضية العليا لحقوق الانسان المؤسسة بالقانون رقم (53) لسنة 2008 بالبت في شكاوى المواطنين من قرارات الادارة بحجب المعلومات عنهم ولها بعد تدقيق الشكاوى ان تطلب من الادارة المعنية تزويد المواطن بالمعلومات المطلوبة اذا كان طلبه موافقا للقانون
المادة – 4 – يكفل هذا القانون حرية البحث العلمي من خلال إجراء التجاري العلمية واستخدام الوسائل والشروط الضرورية للبحث، كما يكفل النشر الحر لنتاجات الأنشطة العلمية.
المادة – 5 – يحظر ما يأتي:
أولا- الدعاية للحرب او الاعمال الارهابية او الكراهية القومية او العنصرية او الدينية او الطائفية.
ثانيا- الطعن في الاديان والمذاهب والطوائف والمعتقدات والانتقاص من شأنها او من شأن معتنقيها.
الفصل الثالث
حرية الاجتماع
المادة – 6 – أولا: للمواطنين حرية عقد الاجتماعات الخاصة من دون حاجة الى اذن مسبق ويحظر على رجال الامن حضور هذه الاجتماعات.
ثانيا: يكفل هذا القانون حرية الاجتماعات الانتخابية
المادة – 7 – اولا – للمواطنين حرية الاجتماعات العامة بعد الحصول على اذن مسبق من رئيس الوحدة الادارية قبل (5) خمسة ايام في الاقل على ان يتضمن طلب الإذن موضوع الاجتماع والغرض منه وزمان ومكان عقده وأسماء أعضاء اللجنة المنظمة له.
ثانيا- تشكل اللجنة المنصوص عليها في البند (اولا) من هذه المادة من رئيس وعضوين في الاقل واذا لم يتم تشكيل اللجنة فإنها تعد مشكلة من الاعضاء المثبتة أسماؤهم في طلب الإذن، وتكون اللجنة مسؤولة عن حسن تنظيم الاجتماع والوفاء بالالتزامات المقررة قانونا والمحافظة على الاجتماع بالتنسيق مع الجهات المتخصصة.
ثالثا- اذا رفض رئيس الوحدة الادارية طلب عقد الاجتماع العام، فلرئيس اللجنة المنظمة للاجتماع ان يطعن بقرار الرفض امام محكمة البداءة المتخصصة وعليها الفصل فيها على وجه الاستعجال.
رابعا – يبلغ قرار الرفض وفق البند (ثالثا) من هذه المادة الى منظمي الاجتماع العام او الى احد مقدمي الطلب قبل موعد الاجتماع بـ (24) اربع وعشرين ساعة في الاقل ويجري التبليغ بالطرق المحددة قانونا.
المادة – 8 – اولا – لا يجوز اجبار احد على المشاركة في اجتماع عام.
ثانيا – لا يجوز عقد الاجتماع العام في الطرق العامة.
ثالثا – لا يجوز ان يمتد اجل الاجتماع العام لما بعد الساعة العاشرة ليلا.
رابعا- للمجتمعين في اجتماع عام الحق في رفع اللافتات والشعارات والإدلاء بالتصريحات غير المخالفة للنظام العام او الآداب العامة لوسائل الاعلام.
المادة – 9 – يحظر ما يأتي:
اولا – عقد الاجتماعات العامة في اماكن العبادة او المدارس او الجامعات او دوائر الدولة الا اذا كانت المحاضرة او المناقشة التي يعقد الاجتماع من اجلها تتعلق بغرض مما خصصت له تلك الأماكن.
ثانيا – حمل السلاح الناري بجميع انواعه والأدوات الجارحة او الحادة او اية مواد اخرى تلحق الأذى بالأنفس او الممتلكات عند الاجتماع.
الفصل الرابع
حرية التظاهر السلمي
المادة – 10 – اولا – للمواطنين التظاهر سلميا للتعبير عن آرائهم او المطالبة بحقوقهم التي كفلها لهم القانون وفق الشروط المحددة في المادة (7) من هذا القانون.
ثانيا – لا يجوز تنظيم التظاهرات قبل الساعة السابعة صباحا او بعد الساعة العاشرة ليلا.
الفصل الخامس
أحكام عامة وختامية
المادة – 11 – اولا – تكون السلطات الأمنية مسؤولة عن توفير الحماية للمجتمعين او المتظاهرين اذا كان الاجتماع او التظاهرة قد نظمت وفق احكام هذا القانون، ولا يجوز لها استعمال القوة لتفريق المجتمعين او المتظاهرين الا إذا أدى ذلك الى زعزعة الأمن او إلحاق الأضرار بالأشخاص او الممتلكات او الأموال.
ثانيا – في حالة حصول أضرار جسدية او مادية للأشخاص او الممتلكات او الاموال من جراء الاجتماعات العامة والتظاهرات، فإن مسببي الأضرار مسؤولون عن التعويض عنها، اما اذا تعذر الاهتداء الى معرفة الفاعل فان للمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي اصابه وفقا للقانون ولا يمنع ذلك من تحريك الدعوى الجزائية على الفاعل.
المادة – 12 – لا يجوز وضع القيود على الحريات والحقوق المنصوص عليها في هذا القانون الا بناء على مقتضيات المصلحة العامة او ما يخل بالنظام العام او الآداب العامة.
المادة – 13 – اولا – يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على (10) عشر سنوات كل من أذاع عمدا دعاية للحرب او الاعمال الارهابية او الكراهية القومية او العنصرية او الدينية او الطائفية.
ثالثا – يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن (1) سنة واحدة وبغرامة لا تقل عن (1000000) مليون دينار ولا تزيد على (10000000) عشرة ملايين دينار كل من:
أ‌- اعتدى بإحدى الطرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية او حقّر شعائرها.
ب‌- تعمد التشويش على اقامة شعائر طائفة دينية او على حفل او اجتماع ديني او تعمد منعها او تعطيل اقامتها.
جـ- خرب او اتلف او شوه او دنس بناء معدا لإقامة شعائر دينية او رمزا او شيئا آخر له حرمة دينية.
د- طبع ونشر كتابا مقدسا عن طائفة دينية حرف فيه نصا عمدا تحريفا يغير معناه او استخف بحكم من احكامه او تعاليمه.
هـ- أهان علنا نسكا او رمزا او شخصا موضع تقديس او تمجيد او احترام لدى طائفة دينية.
و- قلد نسكا او حفلا دينيا بقصد السخرية منه.
المادة – 14 – يطبق قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 في كل ما لم يرد فيه نص خاص في هذا القانون.
المادة – 15 – يلغى امر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم (19) في 10/7/2003 (حرية التجمع.(
المادة – 16 – لوزير الداخلية بالتنسيق مع وزير حقوق الإنسان ووزير الدولة لشؤون المجتمع المدني ورئيس المفوضية العليا لحقوق الإنسان إصدار تعليمات لتسهيل تنفيذ أحكام هذا القانون.
المادة – 17 – ينفذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
الأسباب الموجبة
بهدف رسم آلية لضمان حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي بما لا يخل بالنظام العام او الآداب العامة وتحديد الجهات المسؤولة عن تنظيمات ومعاقبة المخالفين.
وقبل مناقشة هذا المشروع لا بد من تبيان العلاقة بين حرية التعبير ( والتي من ضمنها حق التظاهر السلمي) و بين التنمية :
في رسالة مهمة من مدير عام منظمة اليونسكو السابق السيد كويشيرو ماتسورا (25/4/2006) قال التالي :
من المهم أن نعترف أن احترام حرية الصحافة واستقلال وسائل الإعلام يعتبران بعداً أساسياً في مكافحة الفقر (احد أهداف الألفية ، التي أقرها المجتمع الدولي)، وذلك لسببين أساسيين: الأول هو أن وجود وسائل إعلام حرة يضمن تقاسم الإعلام ويسهل كذلك الحكم الجيد ويقدم فرصاً للوصول إلى خدمات أساسية ويؤكد على الشفافية ومكافحة الفساد، وينسج روابط بين مواطنين متمتعين بالإعلام نقديين ومهتمين بالمشاركة في الحياة العامة، و مسئولين منتخَبين ,والثاني هو أن حرية وسائل الإعلام واستقلالها مرتبطان بسلسلة من المنافع التي تلعب دوراً بالغ الأهمية في القضاء على الفقر. ولاسيما الاعتراف بحقوق الإنسان الأساسية والتأكيد عليها، ودعم المجتمع المدني، والتغييرات المؤسساتية، والشفافية في الحياة السياسية، ومساندة التعليم، والإعلام في مجال الصحة العامة , وبالإضافة إلى هذا فإن هناك علاقة وثيقة إيجابية بين حرية التعبير وتحسين الدخل وخفض وفيات الأطفال و تطوير محو أمية الراشدين.
كما جاء في كتاب ( التنمية حرية) للدكتور أمارتيا صن الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد عام 1998 :
 "إن المرء, حتى لو كان من أكثر الناس ثراء, إذا ما حيل بينه وبين التعبير بحرية عن رأيه, أو إذا حظرت عليه المشاركة في الحوارات العامة أو في اتخاذ القرارات العامة, فإنه يصبح بذلك محروما من شيء يراه عن حق شيئا قيما. وإن عملية التنمية إذا ما حكمنا عليها على أساس تعزيز الحرية البشرية, فلا بد أن تتضمن إزاحة هذا الحرمان الذي يعانيه المرء".

بالتالي, يقول الكاتب, فإن الحرية ليست غاية فحسب, بل هي أيضا وسيلة. "ويعني الدور الأداتي للحرية, بالطريقة التي تسهم بها الأنواع المختلفة من الحقوق والفرص والصلاحيات, لتوسيع نطاق الحرية الإنسانية بعامة".

الحرية الأداتية, بنظر المؤلف, تتعلق بالحرية السياسية بما هي شاملة للحقوق المدنية, من استحقاقات سياسية, وفرص حوار واختلاف, ونقد سياسي وما سواها.  ثم هناك الحرية الاقتصادية كرابط عميق بين "الدخل القومي والثروة القومية من ناحية, والاستحقاقات الاقتصادية للأفراد من ناحية أخرى".
ثم الحرية الاجتماعية, وما يرتبط بها من موضوعات التعليم والرعاية الصحية وغيرها, "والتي تؤثر في الحرية الموضوعية للفرد من أجل حياة أفضل". 
هذه الأدوار الأداتية للحرية هي التي من شأن الارتكاز عليها صوغ مصير الناس, كي "لا يكونوا عناصر سلبية, تتلقى ثمار برامج تنمية جذابة في ظاهرها", لكنها غير مضمونة التداعيات على الأفراد أو الجماعات.
نكتفي بهذه النصوص البليغة لتبيان العلاقة بين الحرية عامة و حرية التعبير خاصة و بين التنمية ( التي تكافح للقضاء على عدة مظاهر منها الفقر ) .
اذا هذه العلاقة الثابتة تدفعنا دفعا باتجاه التدقيق في نص مشروع القانون المذكور اعلاه خشية ان يكون هناك انتقاص من حرية التعبير الذي سوف يؤدي بالنتيجة ان عاجلا او اجلا الى انتقاص من عملية التنمية المنشودة.
بعد ان رفعت الحكومة مشروع القانون الى مجلس النواب العام الماضي و تم نشر النص في وسائل الاعلام العراقية تقدمت العديد من الجهات باعتراضاتها على مواد القانون و نذكر من هذه الاعتراضات بعض النماذج :
موقف جمعية الدفاع عن حرية الصحافة كما نشر على موقع جريدة الصباح الجديد يوم 30/7/2011 و كان الاعتراض على هذا المشروع للاسباب التالية :
أولاً: ابتدأ مشروع القانون في وضع القيود ففي المادة 1 بند (أولاً) في مجال تعريفه حرية التعبير عن الرأي قيدت (بما لا يخل بالنظام العام والآداب العامة)، وهذا قيد مطاطي خاضع للتأويل والاجتهاد حيث يجب أن توضح حدود مثل هكذا قيود دستورياً حيث انه في كثير من الأحيان تخضع الى مزاجية السلطة التنفيذية وبالتالي تؤدي الى التأثير على سلامة تطبيقات ممارسة حرية الرأي والتعبير، كما ان جميع الدول الديمقراطية لديها تعريفات محددة لمادتي "النظام العام والآداب ".
ثانياً: في الفصل الثاني في المادة 3 بند (أولاً) يقول النص "للوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة انشاء قاعدة بيانات مفتوحة...الخ" وهذا النص معيب اذ انه غير ملزم حيث ان الوزارة تمتلك الصلاحية التقديرية لانشاء قاعدة بيانات من عدمه في حين ان النص يجب أن يكون (على الوزارات...الخ) ليتضمن عنصر الالزام والاجبار على انشاء قاعدة البيانات هذه، وبربط هذه المادة بالمادة ( 1/ ثانياً ) التي تنص على ( حق المواطن في الحصول على المعلومات التي يبتغيها وفق القانون)، وبنظرة سريعة فأن مسودة القانون تحصر الحق في الحصول على المعلومات بتلك التي يجيز منحها القانون، وإذا علمنا اننا لا نزال خاضعين للقوانين التي كانت نافذة في العهد الدكتاتوري السابق، وهي  قوانين تعتبر مثالاً للتكتم على المعلومات واخفائها ومعاقبة من يصرح بها، وبالتالي فأن هذه المادة تلغي مبدأ حق الحصول على المعلومات ولاتسمح للجهات الرسمية باعطاء أي معلومة.
ثالثاً:  أعطى مشروع القانون(المفوضية العليا لحقوق الإنسان التي لم تؤسس لحد الآن)  الحق بـ"البت بشكاوى المواطنين من قرارات الإدارة بحجب المعلومات عنهم ولها بعد تطبيق الشكاوى أن تطلب من الإدارة المعنية تزويد المواطن بالمعلومات المطلوبة اذا كان طلبه موافقاً للقانون"، وهذا الموضوع يطرح سؤالين:
السؤال الأول: ماذا لو رفضت الإدارة الحكومية  طلب المفوضية العليا لحقوق الإنسان...كيف ستكون آلية اجبار هذه الإدارة على تزويد المواطن بالمعلومات؟ وهل سيخضع قرار هذه الادارة الى الطعن أمام المحاكم؟ ومن يقيم الدعوى؟ المواطن أم مفوضية حقوق الإنسان؟
اما السؤال الثاني: ما الشروط القانونية لطلب الحصول على المعلومات؟
- ان الصياغات في مشروع القانون قد وردت مبهمة وعمومية وضبابية في حين كان على المشرع أن يصوغ  ذلك بصياغات واضحة دون لبس أو شكوك بحيث يحدد دائرة الممنوع على وجه الحصر ويترك الأمور الأخرى للاباحة استناداً الى القاعدة القانونية التي تنص على ان (الأصل في الأشياء الإباحة). كما ان  التأكيد على حق الحصول على المعلومات يأتي من خلال الترابط الكبير بين حرية التعبير عن الرأي مع حق الحصول على المعلومات، فلا توجد حرية تعبير دون حق الحصول على المعلومات، وبالتأكيد ان شللاً كبيراً يصيب حرية التعبير بشكل عام وحرية الصحافة بشكل خاص، من دون وجود نص يلزم المؤسسات الحكومية باعطاء المعلومات وفقاً للمعايير الدولية في هذا الخصوص لاسيما "العهد الدولي الجديد ومبادئ جوهانسبرغ"، لذلك فإن هذا الموضوع يحتاج الى تقنين وتشريع أكبر من أن يحصر في مواد صغيرة لا تستطيع أن تفي بالغرض المطلوب منها وبالتالي يحتاج الى اعادة صياغات من خلال الاستعانة بذوي الاختصاص مع الاستفادة من التشريعات الدولية وتشريعات الدول المتحضرة.
رابعاً: المادة 1/خامساً  تبين ان الحق في التظاهر السلمي محصور بـ"الحق في التعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق التي كفلها القانون"، فمعنى هذا ان الحقوق التي يكفلها القانون أو لم يأتِ القانون على ذكرها انما هي خارج الموضوعات التي يجوز التظاهر بشأنها، فلا يجوز حسب هذا الأمر التظاهر للمطالبة باطلاق سراح المعتقلين أو محاسبة لصوص المال العام أو سوى ذلك كونها ليست من الحقوق التي كفلها القانون.
خامسا : المادة 6/ في الفصل الثالث ،" الاجتماع الخاص" التي تبين ان رجال الأمن لا يجوز لهم حضوره، وهذا الأمر تحصيل حاصل فرجال الأمن لن يحضروا الاجتماع كونه خاصاً لكنهم غير مأمورين بعدم التضييق عليه أو منع الغير من الحضور اليه، فالنص لا يسمح لهم بالحضور وحسب فيما يسكت عن المنافذ الأخرى لرجال الأمن في الحضور اليه والمشاركة فيه بفاعلية بالطرق الأمنية التي نجهلها.
سادسا:  المادة 7 بند (أولاً) التي تنص على أن (للمواطن حرية الاجتماع العام بعد الحصول على اذن من رئيس الوحدة الإدارية قبل ثلاثة أيام على الأقل، على أن يتضمن طلب الإذن موضوع الاجتماع والغرض منه وزمان ومكان انعقاده  وأسماء أعضاء اللجنة المنظمة له "، وفي المادة 1/رابعاً يعرف الاجتماع العام بانه (الاجتماع الذي يعقد في مكان عام أو خاص ويكون الحضور متاحاً للجميع) ، وترى الجمعية ان هذا النص معيب لأنه:
1-   يجب ان تكون حرية الاجتماعات العامة غير مقيدة بإذن لاسيما وان تعريف الاجتماع العام مطاطي ويمكن تفسيره بانه يشمل حفلات الزواج وأعياد الميلاد ومجالس العزاء وحتى الاحتفالات الدينية، وهو ما يشمل بهذا المقتضى أفراح الناس وأتراحهم والملتقيات الاجتماعية والمنتديات وجلسات الحوار والنقاش العامة ودواوين الشعر وملتقيات العشائر وغيرها،  وهذا لم يرد حتى في قوانين الدول الدكتاتورية سوى سوريا التي من المحتمل أن يكون النص أستعير من قوانينها. 
2-   من هو رئيس الوحدة الإدارية؟ هل هو (المحافظ، القائمقام، رئيس الناحية) أم من؟
3-   يضاف الى كل هذا، فأن الاصرار من قبل مشرع القانون على ضرورة الإذن المسبق فإن الطعن أمام محاكم البداءة كما حدد مشروع القانون في المادة 7/ ثالثاً، في حالة الرفض هو اجراء غير عملي ولا يتماشى مع طبيعة الموضوع خصوصاً اذا كان موضوع الاجتماع محدد لحادثة معينة أو مناسبة معينة بحيث ان أي تأخير يفقد الاجتماع أهميته وقيمته، وتسجل الجمعية استغرابها وقلقها الشديدين؛ لان الموضوع محل البحث هو اجتماع وليس انقلاباً على السلطة، و الاجتماع حق بديهي تقره جميع القوانيين.
سابعاً: المادة 11 بند (ثانياً) حدد مشروع القانون مسؤولية التعويض في حالة حصول أضرار جسدية أو مادية في الأشخاص أوالممتلكات أو الأموال على مسببي هذه الأضرار، وأشار النص الى اعطاء الحق للمتضرر المطالبة بالتعويض في حالة تعذر الاهتداء الى مسببي الضرر دون أن يحدد الجهة التي تقوم بالتعويض وكان على المشرع أن يلزم الدولة بالتعويض بذلك تماشياً مع شرطها الوارد في المادة 11 بند (أولاً) بأن تكون السلطات الأمنية هي المسؤولة عن الحماية للمجتمعين أو المتظاهرين، فلولا القصور في عمل هذه الجهات الأمنية لما يحدث مثل هكذا ضرر للمجتمعين أو المتظاهرين أو أن نترك الى هؤلاء حماية أنفسهم بأنفسهم.
ثامناً: ينص مشروع القانون في المادة 11/أولاً من الفصل الخامس منه على ان "حماية المتظاهرين أو المجتمعين من قبل السلطات العامة لا تكون الا للاجتماعات أو التظاهرات المجازة وفقاً للقانون"، وفي هذا اشارة واضحة ان حماية الناس من المسلحين وعصابات الجريمة والمتخفين بالزي المدني لا توفرها السلطات الأمنية للاجتماعات أو التظاهرات التي يجري الاعداد لها خلافاً لهذا القانون ولو كانت اشتراطات القانون غير منطقية، ثم يأتي الشطر الثاني من هذه المادة ليقضي على حرية التظاهر والاجتماع ويجهز عليها ويعطي ضوءاً أخضر للسلطات الأمنية لاستعمال القوة اذا أدى الاجتماع أو التظاهر الى زعزعة الأمن او إلحاق الاضرار بالأشخاص أو الممتلكات أو الأموال، على الرغم من أن القانون لم يحدد الجهة التي تمتلك السلطة التقديرية في تشخيص وتحديد ما اذا كان  هناك زعزعة للأمن قد حصلت أو ضرر بالأشخاص قد حدث أو ضرر بالأموال أو الممتلكات قد وقع، ولكننا نظن ان هذه الجهة التي تقدر الأمر هي السلطات الأمنية نفسها كونها هي المسؤولة عن تجمعات وتظاهرات المجتمعين أو المتظاهرين المجازين ولأن المشروع لم يبين بصراحة من هي تلك الجهة، ما يجعل المتظاهرين تحت رحمة السلطات الأمنية.
تاسعاً:  المادة ـ 13 ـ نصت على أحكام جزائية على من يخالف أحكام هذا القانون، وتقع العقوبات على المواطن دون الحكومة، ولم نجد حكماً يعاقب من اتخذ اجراء حكومياً مخالفاً،
الفقرة أولاً نصت على معاقبة من أذاع عمداً دعاية للحرب أو الأعمال الارهابية ... الخ ولم تشير الى عقوبة من يروج لتلك الأعمال أو الأفكار أو يدعمها اعلامياً.
الفقرة ثانياً نصت على غرامة لا تقل عن مليون دينار ولاتزيد على عشرة ملايين دينار أو الحبس لمدة لاتزيد على سنة واحدة وشملت بموجبها من" اعتدى على الشعائر والحرمات الدينية أو الطائفية أو الرموز الدينية.. الخ "، لكننا لم نجد ما يشمل الإعتداء على الأفكار والايديولوجيات السياسية التي تتبناها الأحزاب والتنظيمات السياسية أو الاجتماعية العلمانية غير الدينية، كما ان في هذه الأمور تمهيدات بينة لمجتمع ودولة الدين، كما ان هذه المادة مطاطية لم تحدد طريقة الاعتداء ونوعها ، وهي محاولة لترهيب وسائل الاعلام ومنعها من نقد رجال الدين الذين يتعاطون السياسة أو يتبؤون مناصب حكومية ويفشلون في أدائهم كما حصل خلال السنوات الثمان السابقة.
كما اعلنت منظمة هيومان رايت وتش رفضها لهذا المشروع كما جاء على موقع جريدة المدى يوم 9/12/2011 :
 طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش ومقرها نيويورك، في وقت سابق، مجلس النواب العراقي بعدم تمرير مسوَّدة "قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي"، لأنه "يجرِّم حرية التعبير ويضيِّق على الحريات ويخرق القانون الدولي".
كما ان موقف لجنة حقوق الانسان في مجلس النواب كان معارضا لمشروع القانون حسب ما نشر على موقع جريدة المدى في نفس التاريخ اعلاه :
جددت لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب،امس الخميس، رفضها للعديد من الفقرات التي وردت في مسودة قانون حرية التعبير عن الرأي التي قدمتها الحكومة الى مجلس النواب، مبينة ان العديد من فقرات المسودة "فضفاضة" وقابلة للتأويل من قبل الأجهزة الحكومية.وقالت عضو لجنة حقوق الإنسان النيابية أشواق الجاف "، إن "لجنة حقوق الإنسان لن تسمح بتمرير العديد من فقرات مسودة قانون حرية التعبير عن الرأي". وأضافت أن "من اهم وابرز ما تحفظنا عليه، الفقرة التي تحدد إجازة التظاهرات التي يجب أن يقدم القائمون عليها بطلب الإجازة قبل خمسة ايام من قيام التظاهرة، ونحن نرى ان هذه المدة طويلة ويجب أن تحدد بـ 24 ساعة، وذلك لإشعار القوى الأمنية من اجل حماية التظاهرة". وكانت أوساط إعلامية وقانونية قد انتقدت، في وقت سابق، إحالة مسودة قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي إلى مجلس النواب لقراءته من دون العودة إليها لإبداء ملاحظاتها عليه، كونه يحمل الكثير من البنود التي تقيد الحريات وتخنقها . وقالت لوكالة الانباء العراقية المستقلة أن مسودة القانون تحتوي على العديد من النقاط التي تقيد حرية التعبير عن الرأي . وان لجنة حقوق الإنسان ترفض مسودة القانون بشكلها الحالي لأنها لا تتفق وعنوان القانون.
في المحصلة النهائية نرى من الضروري عدم اقرار هذا المشروع و اعادته للحكومة لصياغة مشروع قانون جديد بعد التشاور مع منظمات المجتمع المدني و الناشطين في حقوق الانسان اخذين بنظر الاعتبار مواد الدستور العراقي و المعاهدات و المواثيق الدولية لترسيخ ارقى الممارسات في ميدان حقوق الانسان لاهميته لحاضر و مستقبل العراق و شعبه.

ماجد ابوكلل
مركز ذر للتنمية
18/2/2012


Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...