الربيع بين ايران و امريكا
مصر قلب العالم العربي و الاسلامي , غابت او غيبت سنوات من العمل الجماعي
العربي و الاسلامي غيبت بفعل بلدان اخرى تحالفت بحلف علني مع الولايات المتحدة
و بحلف سري مع اسرائيل , وعندما غيبت مصر غاب معها الدور الريادي و الحضاري لباقي
البلدان العربية و الاسلامية و ظهر النزاع المفتعل على دور الزعامة الذي حاول
كثيرين اشغاله بعد ان شغر بغياب مصر , نجحت السعودية ان تشغل هذا الحيز الذي هو من
استحقاق مصر مع ان السعودية لا تملك مقومات الزعامة لا من قريب ولا من بعيد , ولكن
حلفائها دفعوا بها دفعا الى هذه الزعامة, ولعب المال الذي صب صبا على رؤوس حكام
السعودية دورا هاما في هذه الزعامة , ومع غياب مصر ظهرت ايران الدولة التي تملك
الرؤية و التي تملك الارادة للتحرك بكل ثقلها الحضاري و الاقتصادي لتحتل مكان بارز
في المنطقة و العالم و لولا الحرب و الحصار لكانت ايران اليوم اكثر تقدما و اكثر
قوة و تأثيرا و لكن ضياع عقدين تقريبا من الزمن من قيادة هذا البلد بسبب حرب مولت
من اموال النفط في العراق و السعودية و باقي دول الخليج و بتوجيه امريكي اسرائيلي
سبب عوائق و مشاكل كثيرة لكل المنطقة و منها ايران و العراق , اليوم بعد زوال نظام
صدام في العراق الاداة الطيعة بيد السعودية و امريكا في الثمانينات و العدو اللدود
في التسعينات و زوال نظام مبارك من مصر الاداة الطيعة بيد السعودية و امريكا في
العقود الماضية و بعد تصدر الاخوان المسلمين لكل بلدان الربيع العربي اصبح لدينا
وضع جديد على الارض وهذا الوضع في حالة حركة ولم يستقر حتى الان , تحاول السعودية
و امريكا من ورائها تقليل الخسائر الاستراتيجية قدر الممكن ولكن خسائرهم كبيرة جدا
ولا يمكن تقليلها باي وسيلة بل ان خسائرهم في تعاظم يوما بعد يوم , وعلى الطرف الاخر
ترى ايران فرص مؤاتية كبيرة جدا لتحقيق اختراق استراتيجي في منطقة كانت مغلقة
لخصومها سابقا, فهذه مصر اليوم ترحب بوفود الصداقة التي ترسلها ايران , كما خدمت
امريكا خصمها ايران باسقاط نظام صدام في العراق لتترك العراق بيد قيادة صديقة
لايران فانها اليوم تعود لتخدم ايران من خلال ترك الامور تجري في مصر لمصلحة
التيار الاسلامي ( وهو ان لم يكن حليف حالي لايران فانه ليس خصما لها و سيكون حليف
محتمل جدا لها) و المراقب يجد ان ايران هي اكبر الرابحين مما يجري في المنطقة من
سقوط طغاة و صعود تيارات هي في اغلبها لا تجد نفسها في خصومة مع ايران بل تجد
تقارب في الطروحات و الافكار مع اختلافات طفيفة يمكن معالجتها , كما ان هذه
الانظمة الجديدة سرعان ما تجد نفسها على اختلاف واضح مع امريكا و حليفتها السعودية
لاسباب عديدة منها دعم امريكا للانظمة الدكتاتورية التي اطيح بها و كذلك دعم السعودية
لهذه الانظمة و منها تخلف نظام الحكم السعودي و الخليجي بشكل عام و تصادمه مع
افكار الديمقراطية و المدنية التي ينادي بها الحراك الشعبي العربي و الذي اعتنقته
القوى السياسية الجديدة و لا يمكن لها التخلي عنه في اي لحظة من الزمن القادم لانه
يعني سقوطها شعبيا بينما نرى على الجهة الاخرى النظام الايراني اقرب لهذه الانظمة
فهو نظام يعتنق الفكر الاسلامي و له مرجعية اسلامية و قدم الدعم سابقا الى حركات
تختلف معه في الافكار المذهبية مثل حركة حماس و يمكن له ان يقدم الدعم المادي لمصر
و غيرها الان او في المستقبل رغم الاختلاف المذهبي ليعوض عن المساعدات الاقتصادية
المشروطة التي تقدمها امريكا و السعودية و هي مشروطة بشروط تتصل بالقضية
الفلسيطينة و بقضايا اخرى تجدها الانظمة الجديدة متناقضة تماما مع فكرها و
استراتيجياتيها .
ان عاجلا او اجلا ستجد السعودية و منافستها الصغيرة قطر انفسهم في الزاوية
يراقبون حركة الانظمة الجديدة و تتقرب الى ايران و تركيا و لكن الى ايران اكثر و
سوف تأتي اللحظة التي تجد هذه الدول العشائرية نفسها و قد عزلت و اصبحت الخصم مع
الانظمة الجديدة و قد تكون الهدف القادم لتغيير انظمتها وهذا وارد جدا اذا تيقنت
امريكا ان انظمة الخليج العشائرية المتخلفة لم تعد تستطيع تقديم الخدمات التي
اعتادت على تقديمها لحليفها الامريكي عندها ستفكر امريكا بطريقة ما للتخلص من هذه
الانظمة بحيث تقلل من خسائرها الاستراتيجية.
سوريا تمثل ساحة الصراع التي اختارها الجميع اليوم و للمستقبل القريب (
بدلا عن العراق), السعودية و امريكا ترى فيها ساحة للضغط على ايران و ايران ترى في
سوريا حليف يجب عدم تركه ينهار بسهولة , ولكن اعتقد ان النظام السوري بالحقيقة عبء
ثقيل على ايران الافضل لها ان تتخلص منه و تفتح صفحة مع النظام الذي سيخلفه و
تستطيع ايران دفع اصدقائها الجدد في دول الربيع العربي لاعادة بناء علاقتها مع
النظام السوري الجديد لان خوفها من ان يكون النظام الجديد حليف لامريكا و السعودية
ليس في محله لسبب بسيط وهو ان سوريا بعد الاسد ستكون هي خط التماس الاسخن مع
اسرائيل و هي الجبهة التي تحتاج الى الدعم المالي و المعنوي الكبير الذي لن تجده
لا في السعودية و لا في امريكا بل ستبحث عنه في تركيا و ايران و مصر و ستكون ايران
بلا شك هي المصدر الاكبر للدعم حينها. اما قضية المذهبية فكما قلت سابقا فان ايران
قد اثبتت انها تجاوزتها و استطاعت كسب صداقات و تحالفات علنية و سرية مع اطراف
كثيرة تختلف مذهبيا و فكريا مع ايران.