ديمقراطيتنا
لكل شعب من الشعوب خصوصيته المكانية و
الزمانية و نادرا ما نجد شعبين متماثلين في كل شيء بل ان هذه الخصوصيات موجودة
داخل الشعب الواحد من مدينة الى اخرى , لذلك لا عجب عندما يكون لكل نظام ديمقراطي
خصوصيته من شعب الى اخر , فاذا درسنا النظام الديمقراطي الفرنسي و قارناه على سبيل
المثال بالنظام الديمقراطي البريطاني لوجدنا بينهما اختلافات كثيرة هي في الحقيقة
خصوصيات ذاتية لكل شعب من الشعبين , و كصفة عامة تتصف بها الانظمة الديمقراطية
الحقيقية هي كونها انظمة حية تتفاعل مع الشعوب في حركتها الانسانية نحو التطور
الفكري و الاخلاقي ( الحضاري) , و اذا ثبتنا هذه الحقيقة نقول ان العراق ليس بحالة
شاذة عن باقي شعوب و انما الذي يجري هو اننا في هذا البلد نخضع لهذه الحقيقة و ان
نظامنا الديمقراطي هو لحظة زمانية مكانية في مسيرة التطور و النفاعل بين ديمقراطيتنا
و فكرنا و اخلاقنا كشعب . هذه اللحظة ليست هي النهاية و لن تكون مادمنا نصر على
اكمال المسيرة و معالجة الاخفاقات التي تعترض مسيرتنا لايماننا بان الديمقراطية هي
الوسيلة الانجح للتخلص من الاستبداد و الطغيان الذي مر بالعراق طيلة العقود
الماضية و الذي لوث فكرنا و اخلاقنا كشعب و افراد .
اذا , هل يمكننا مناقشة ( ديمقراطيتنا )
العراقية في الفترة الماضية و تشخيص بعض الاشكاليات التي وجدت و كيف لنا معالجتها
؟
1-
الديمقراطية في مفهومها العام تعني حكم
الاغلبية السياسية من خلال انتخاب هذه الاغلبية لمن يمثلها , فما هو موقف الاغلبية
من الاقلية التي ظهرت بعد الانتخابات ؟ هل ستقمع هذه الاقلية من قبل الاغلبية و
تعاقبها لاختلافها معها و تكون الاقلية هي ضحية النظام الديمقراطي ؟ بالتاكيد
الاجابة هي كلا , من فوائد الانتخابات النزيهة غير فائدة بيان من هو صاحب اكبر عدد
من الاصوات انها تكشف المصالح المختلفة لكل فئات الشعب بمعنى المفروض بالانتخابات
وما يسبقها من حملات اعلامية و تواصل بين المرشحين و الناخبين ان تجعل من الواضح
جدا لكل الاطراف ماذا يريد الناس من المرشحين في حالة فوزهم , هذه المطالب قد
تختلف في عدد من يطالب بها من الشعب ولكن هذا لا يعني باي حال من الاحوال ان
المطالب التي تقدمها الاقلية سوف تهمل من قبل الفائز باصوات الاغلبية بل عليه ان
يحترم هذه المطالب و يناقشها مع من تقدم بها و يحاول ان يلبيها ان لم يكن كلها
فمعظمها ما دامت تتفق مع الدستور و قواعد العدالة و الانصاف , ان اهمال الحاكم
الجديد لمطالب الاقلية سيخلق لنا مشاكل متراكمة تتضخم مثل كرة الثلج. كما يمكن
للفائز بالانتخابات ان يستعين بمنافسيه في مراكز معينة اذا وجد ان هؤلاء المنافسين
يمكن ان يقوموا يتقديم خدمات للاقلية سوف تزيد في المحصلة النهائية من شعبيته. لن
تكون الانظمة الديمقراطية ابدا ديمقراطية اذا ولدت حكومات استبدادية و لن تعطي
الانتخابات شرعية لاي تصرفات تخالف مقدمات و اركان النظام الديمقراطي , ان استخدام
الانتخابات وسيلة ( مثل حصان طروادة) للوصول الى السلطة و التمسك بها بعد ذلك و
الغاء الديمقراطية ممكن جدا ولكنه سيؤدي الى صراع جديد بين الاستبداد و
الديمقراطية.
2-
المنافسة خلال الانتخابات بين المرشحين
المختلفين لا تعني باي حال من الاحوال انها خصومات يجب تصفيتها في اقرب فرصة سانحة
, بل تعني انها تنافس بين زملاء المهنة الواحدة ( مهنة السياسة ) الذين يمكن لهم
ان يتبادلوا الادوار من خلال الانتخابات و يمكن لهم ان يساعد بعضهم بعضا في مختلف
الظروف السياسية ولا اقصد هنا ان يتقاسموا ( السلطة و غنائمها) بل اقصد ان كل
سياسي مهما كان صغيرا او كبيرا فهو يمتلك علاقات و صلات تتراكم مع الزمن يمكن
للاخرين ان يستفيدوا منها في لحظة من اللحظات و كذلك يمكن لهذا السياسي ان يخلق
مشكلة صغيرة او كبيرة للاخرين اذا لم يشعر انه محترم لديهم و حتى يركز الفائز في الانتخابات
على اداء عمله بافضل صورة يجب عليه ان يحاول جهده في تحسين علاقاته بمنافسيه و
يستثمرهم في حل مختلف المشاكل التي تواجه ولا يضع نصب عينيه تصفيتهم و ابعادهم عن
الساحة السياسية باعتبارهم مصدر تهديد فهذا خطأ جسيم سوف يؤدي به في النهاية الى
الاستبداد , صحيح ان فرصة تصفيتهم ستكون متاحة امامه و سهلة المنال في اول الامر و
ذلك من خلال السلطة التي حصل عليها ولكن سوف يجد نفسه دائما مشغول في تصفية الخصوم
الذين سينتجهم المجتمع بشكل تلقائي فلماذا اضاعة جهوده في قضية خاسرة , ثم ان وجود
معارضة علنية و قريبة من الحاكم سوف يساعد في عدة ابعاد , فهذه المعارضة ركن اساسي
من اركان النظام الديمقراطي ولا يمكن ان يكون لدينا نظام ديمقراطي خالي من
المعارضة و لا يمكن ان تكون المعارضة جزء من السلطة و بنفس الوقت هي جزء من
المعارضة , كذلك سوف تخدم المعارضة الحاكم من خلال بيان الاخطاء التي يمكن ان تقع
اثناء حكمه و اذا كان الحاكم متمكن من خيوط اللعبة السياسية و لديه فريق عمل من
المستشارين و الوزراء الموحدين خلف رؤية و استراتيجيات و سياسات واضحة و متفق
عليها سوف يمكنه من استيعاب الدروس و مراجعة الاخطاء و اصلاحها بسرعة و بالتالي
سحب البساط من تحت اقدام المعارضة ولا فانه سوف يعطي للمعارضة ذريعة قانونية
لتخريب علاقته و صورته لدى الشعب , ان محاولة الحاكم تصفية المعارضة داخل البلد
ستؤدي بها الى الخروج و التمركز خارج البلد وستكون شئنا او ابينا لقمة سائغة امام
اجهزة المخابرات الاجنبية ذات التوجهات البعيدة كل البعد عن مصالح الشعب و سوف
يدفع الحاكم ثمن هذا العمل ان اجلا او عاجلا.
3-
من الاخفاقات الكبيرة في الديمقراطية
العراقية هو التركيز من قبل الجميع ( مرشحين و مصوتين) على السلطة و اعتبارها هدف
يجب الوصول له بينما حقيقة السلطة في النظام الديمقراطي انها وسيلة تهدف الى خدمة
الشعب و من خلالها تعمل الحكومة على تنفيذ رؤيتها و استراتيجياتها بما يحقق الرضا
لدى الشعب, ان اعتبار السلطة مغنم و استحقاق يبحث عنه الجميع ادى الى اهمال
المقدمات الضرورية للعملية الديمقراطية و هي المبتنيات النظرية التي يجب ان يقدمها
المرشحون الى الشعب و التي تبين وجهات نظرهم مقابل المشاكل المحتلفة التي يعاني
منها الشعب و الحلول التي يعدون بتقديمها , لقد استطاع السياسي العراقي خلال
الفترة الماضية ان يستغفل الشعب من خلال اقناعه ان مجرد وصوله للسلطة ( اي
السياسي) هو انتصار كبير يغني الانصار و المريدين عن اي شيء اخر و لكن بعد وصول
هذا السياسي للسلطة يظهر ان هذا ليس كافيا ابدا و تبقى المشاكل تتكاثر بغير حلول
وهنا يجد الشعب نفسه امام خيارات , اما ان يفقد ثقته في النظام الديمقراطي و يعزف
عن الانتخاب مرة اخرى او ينساق خلف المشاكل المفتعلة من قبل السياسيين المختلفين
بصورة صراعات سياسية بلا معنى تقدم للشعب على انها قضايا مصيرية تشغله و تلهيه عن
مصالحه الحقيقة و حقوقه المهدوره. يجب علينا ان نرتقي بالعمل السياسي الى المرحلة
التالية من التطور و التخلص من هذه المرحلة التي اتسمت بالفشل و الا فان نظامنا
الديمقراطي سيكون في خطر جسيم .
4- ما زال الشعب العراقي و سوف يبقى دائما في حاجة ملحة الى التربية
الديمقراطية , الكبار يحتاجون هذه التربية لانهم لم يعرفوا ماهية الديمقراطية خلال
الفترات التي عانوا فيها من الاستبداد و القمع و تركت تراكمات في اللاشعور داخل
انفسهم , و الشباب بحاجة الى هذه التربية لكي يتطبعوا بطباع الديمقراطية و حقوق
الانسان لانهم في مرحلة البناء الفكري و النفسي و يحتاجون الى الارشاد و التعليم و
النصح في هذا المجال كما يحتاجونه في اي مجال تعليمي اخر, لو دققنا في الانظمة
التربوية التي تنتهجها الدول الديمقراطية التي سبقتنا في هذا المجال لوجدنا انهم
ينفقون على التربية و التعليم نسبة كبيرة جدا من الدخل القومي تكاد تزيد على اي
قطاع اخر و هذا لقناعتهم الراسخة بان هذا القطاع يعني استمرار وجودهم و تطورهم
كشعب قادر على التقدم و الحفاظ على ميزة التقدم بين باقي الشعوب , ان الريادة و
المكانة المتقدمة بين شعوب الارض لا تكون بغير الاهتمام بقطاع التربية و التعليم و
من هذا الاهتمام بل في مركزه هو الاهتمام ببناء القناعات و القدرات لدى الشباب
بافضل الممارسات الديمقراطية.