هل الشعوب تعلم ؟
ماجد ابوكلل
هل الشعوب تعلم ؟ هذا السؤال الذي يطرح كثيرا عندما يجري النقاش حول وعي الشعوب بحالها ان كان هذا الحال سياسي او اقتصادي او ثقافي و كذلك يطرح هذا السؤال عندما تسنح فرصة لشعب ما ان يختار قيادته من خلال انتخابات حرة و نزيهة , تتعدد الاجابات بين من ينفي بشكل كامل وعي الشعب بما يجري من حوله و اخر يقول ان الشعوب ليست غبية بل هي على وعي كامل بما يجري من حولها حتى وان زورت ارادتها في بعض الحالات و هناك من يعطي اجابات اخرى.
اريد من خلال هذا الموضوع ان اناقش هذه المسألة و الوصول الى نتيجة اقرب ما يمكن للموضوعية حتى استطيع ان اتبانها و اغادر هذا السؤال لغيره في طريق التقرير العقلي.
بداية لا اعتقد ان من الانصاف ان نتعامل مع الشعوب او أي شعب منفردا كانه كتلة واحدة ذات صفات متماثلة لا يتمايز افرادها بعضهم عن البعض الاخر بغض النظر عن الاغلبية و الاقلية في اكتساب هذه الصفة او تلك , فمن المنطقي تمايز افراد الشعب لأسباب عديدة منها طبيعية مثل العمر و الامكانيات الفيزيائية و النفسية و العقلية و منها مكتسبة مثل الامكانيات المادية و التربية و البيئة المحيطة, و فيما يخص الاجابة على سؤالنا السابق حول مدى علم الشعب بما يجري حوله من امور عامة فلابد من تثبيت الفئة المقصودة من الشعب وهم من بلغ منهم عمرا يحدده القانون بسن الرشد وهو بين 18 و 21 عام فما فوق ومن الجنسين اما من هو اقل من هذا العمر فليس له تأثير في الوضع العام عادة لكونه لا يزال صغيرا في السن, هذا يعني ان عدد كبير من افراد الشعب يتأثرون بما يجري حولهم ولكنهم غير مؤثرين بسبب العمر و هذه اول فئة نستطيع ان نعتبرها انها غير عالمة بما يجري حولها من افراد الشعب وعدم العلم و هذا طبيعي وليس ظلما او تقصيرا تجاه هذه الفئة ولكنه من ناحية موضوعية يوجب ان يجعل الغير وكيلا عن هذه الفئة يقرر لها ظروف حياتها , نعود لباقي افراد الشعب من الجنسين الذين يعتبرون قانونا بالغين و مؤهلين لاتخاذ القرار في الشأن العام و المفروض انهم يعلمون ما يجري حولهم و ننظر لأحوال هؤلاء و نحلل وضعهم من خلال توجيه الاسئلة التالية :
1- هل كل هؤلاء على نفس المستوى من التعليم الاولي و العالي ؟
2- هل كل هؤلاء على نفس المستوى من الامكانية الاقتصادية ؟
3- هل كل هؤلاء على نفس المستوى من حيث امكانية التأثير وليس فقط التأثر بالوضع العام للبلد ؟
4- هل كل هؤلاء على نفس المستوى من توفر الرغبة في التأثير في الوضع العام ؟
اعتقد ان الاجابة على الاسئلة السابقة و غيرها الكثير من شاكلتها ستكون بالنفي قطعا , فمن طبيعة الامور التمايز في كل هذه الاحوال بين البشر و هذا التمايز يجعلنا نضطر اضطرارا الى تحليل الناس بطرق احصائية لمعرفة النسب و الاغلبية و الاقلية في كل صفة و حال .
اذا علميا لا نستطيع ان نقول ان الشعب ( عالم ) بما يجري بهذا الوصف المطلق او ان نقول ان الشعب ( موافق ) او ( رافض) لقضية محددة بشكل مطلق ايضا بل القضية نسبية قطعا.
اذا كانت القضية نسبية هذا ينقلنا الى سؤال اخر مهم وهو حجم النسبة ( الكم) من الشعب الذي يعلم ما يجري من حوله او الواعي بما يجري من حوله ؟
حتى نكون منصفين لا بد من طرح السؤال بشكله التالي :
ماذا يحتاج الانسان لكي يكون ( عالما) و ( واعيا) بما يجري من حوله ؟
الجواب البديهي هو : التعليم
الانسان يولد صفحة بيضاء لا يعلم من تعقيدات هذه الحياة الا القليل الذي يمكنه من رضاعة الحليب من امه وبعد ذلك هو يعتمد على الاخرين في كل شيء فمن الصعب تخيل وليد بشري يمكن ان يعيش ايام قلائل بلا رعاية من انسان اخر , وكذلك التعليم و التدريب يحتاج الانسان فيه الى الاخرين ( اللهم الا من يختاره الله سبحانه وتعالى و يعلمه مباشرة بدون واسطة), وهذا التعليم و الرعاية و التدريب عملية شاقة ليس بإمكان الجميع تقديمها و بالتالي ليس كل انسان يحصل عليها بالشكل الصحيح وهذه حقيقة ايضا على الاقل في زماننا هذا.
كم نسبة من يحصل على تعليم كافي لكي يكون عالما بما يجري من حوله من افراد الشعب ؟
استطيع ان اقول وانا مطمئن انهم اقلية لأسباب كثيرة تتصل بنوعية التعليم و المستوى الذي يمكن لهؤلاء الافراد الوصول له في السلم التعليمي و مصادر المعلومات المتاحة للاطلاع عليها , و المعضلة الاخرى هي مصادر الالهاء و التشويش و المعلومات المضللة التي تحويها البيئة الخارجية بشكل كبير جدا و متعمد من اطراف عديدة تخطط لعمليات التضليل لخدمة اغراضها و مصالحها الخاصة بهدف اعاقة افراد الشعب عن فهم ما يجري و تضليلهم بشتى الطرق و الوسائل لكي يكونوا في صفها او على الاقل لكي لا يكونوا في صف خصومها.
في المحصلة النهائية نصل الى نتيجة واضحة ومنطقية ان الشعب لا يعلم و لا يحيط بما يدور حوله بالصورة الصحيحة وهذا في اغلبية الشعب و تبقى قلة قليلة يمكنها الاحاطة بما يجري و هي النخب و هم على انواع :
1- نخبة تصنع الواقع من خلال الحكم و تعمل لمصلحتها الخاصة بالدرجة الاولى.
2- نخبة معارضة و تريد منازعة النوع الاول للوصول الى الحكم.
3- نخبة مبتعدة عن الصراع على الحكم و ترى الامر اقل شأنا من ان تشارك فيه لأسباب اخلاقية او نفسية.
و الموضوع يبقى صراع نخب و عموم الناس ادوات يستعملها هذا الطرف او ذاك , من السهل على الناس ان تشارك من خلال تنفيذ بعض المهمات التي تضعها لهم النخب حتى لو كانوا لا يعلمون عن جدوى هذه المهمات و عمق تأثيرها فهم لا يشغلون تفكيرهم بتحليل كل حركة بل يكتفون في التنفيذ فهو اسهل و مريح اكثر لهم.
هذا الحال في كل البلدان وان كان بدرجات متفاوتة في الحدة بين بلد و اخر حسب مستوى الثقافة العامة و اهتمام الدول بالتعليم و جودته ويمكننا ان نلاحظ ان الولايات المتحدة الامريكية مثلا رغم كل الامكانيات المادية الضخمة التي تتمتع بها ولكن شعبها ليس بالمستوى المطلوب من الوعي السياسي في اغلبيته ولكن نرى بلدان صغيرة مثل السويد و الدنمارك يتمتع الافراد فيها بوعي سياسي جيد لما يدور حولهم وبما يضمن استخدام موارد بلدانهم بأحسن ما يمكن لتحسين واقعهم و مستقبلهم.
لن اتحدث عن العراق لأني اود ترك الامر لكم .