شرعية السلطات
ماجد ابوكلل
الشرعية , شرط أساسي يجب توفره في كل سلطة للقبول بها و الرضوخ لها من قبل الشعب , لو أجرينا مراجعة تاريخية للسلطات و كيف كانت تأسس شرعيتها منذ عرف الإنسان التنظيم و الحكومة في صورها الأولى لوجدنا ان ( القوة ) هي الشرط الأساسي للسلطة , و بمعنى أخر كانت القوة هي التي تستمد منها السلطة شرعيتها , فمن كان يملك القوة كان يملك السلطة
, و كانت القوة تتمثل في الرجال و السلاح و المال , وهذه الشرعية (القوة ) لم تكن تتصف بالاستمرارية في جانب واحد بل كانت متغيرة , لذلك ترى السلطة تتداول بين عدد من الكيانات القوية فأي كيان يكتسب قوة أكثر من غيره يزيل الأخر الحاكم و يحل محله لحين ظهور قوي أخر يزيحه , وهكذا تستمر الحال , و الكيانات المتصارعة على السلطة كانت متعددة الصور , فمنها كيانات عشائرية او كيانات عرقية او كيانات دينية او مذهبية , هذه الحال استمرت لآلاف السنين و نحن عايشناها في العراق منذ تأسيس المملكة العراقية ولغاية 2005 , فقد لعبت الانقلابات العسكرية دورا في تداول السلطة بين المنقلبين لحين سيطرة النظام الدكتاتوري الأخير عام 1979 و قيامه بتصفية مستمرة لكل من يشك في ولائه , هذه الشرعية ( أي شرعية القوة ) انتهت في العراق عندما خرج العراقيون للموافقة على الدستور العراقي عام 2005 , و بدخول الدستور حيز التنفيذ أصبحت المادة الخامسة منه قاعدة تضبط قضية شرعية السلطات لا يمكن الخروج عليها , وهي تنص على التالي :
المادة (5)
السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية.
اذا أصبح الشعب هو مصدر السلطات و هو مصدر الشرعية ولم تعد ( القوة ) هي مصدر الشرعية كما كانت , و هذه المادة أقرت ممارسة عملية لتصبح هذه الشرعية واقعا وهذه الممارسة هي الاقتراع على ان يكون سريا ( أي يجب ان تهيئ للمقترع الخصوصية التي لا تسمح للغير بالإطلاع على اختياره حين الإدلاء بصوته) و عاما ( يشترك فيه عموم الشعب من الرجال و النساء البالغين و بدون استثناء بسبب الدين او العرق او غيره ) و مباشرا (يمارسه المواطن بنفسه ليختار من يمثله وليس بتوكيل أخر بالاختيار) و عبر مؤسسات معترف بها دستوريا .
فكل سلطة تمارس الحكم في العراق اليوم يجب ان تكون شرعية , و هذه الشرعية هي ان تكون منتخبة بالاقتراع الذي نص عليه الدستور العراقي , و هذا الشرط ينطبق على السلطات الاتحادية و السلطات الإقليمية و المحلية , ولو نظرنا الى حال السلطات الحالية لوجدنا ان السلطات الاتحادية قد في العراق استوفت هذا الشرط و كذلك السلطات الإقليمية و لكن السلطات المحلية فيها تفصيل .
فالسلطات المحلية على مستوى المحافظات ( مجالس المحافظات و المحافظين ) استوفت هذا الشرط في الانتخابات المحلية الأخيرة بداية العام المنصرم . و بقيت المجالس المحلية على مستوى القضاء و الناحية لم تستوفي هذا الشرط و اكتفت بالشرعية القانونية المؤقنة التي حصلت عليها من قانون المحافظات رقم 21 لسنة 2008 الذي اقر بقاء هذه المجالس لحين إجراء انتخابات جديدة .
اذا الشرعية التي تحتاج لها السلطات بما فيها المحلية هي :
النص الدستوري و القانوني و الممارسة العملية من قبل الشعب بإجراء الاقتراع لانتخاب أعضاء هذه السلطات.
السؤال ألان هل هذه هي كل الشرعية المطلوبة للسلطات المحلية لكي تمارس عملها بالشكل المطلوب ولكي يرضخ الشعب لسلطتها ؟
الجواب : كلا
أكيد هناك شرط أخر يجب توفره لضمان شرعية هذه السلطات , فليس من المعقول ان يبقى غطاء الشرعية متوفر لهذه السلطات طيلة الأربع سنوات بسبب الاقتراع الذي جرى في بداية استلامها للسلطة , اذا ما هو المطلوب لابقاء الشرعية مستمرة ؟
الشرعية كما قلنا تنقسم الى قسمين قانوني ( و هو النص الدستوري و القانوني) و شعبي (بممارسة الشعب لحقه في الاقتراع) , ولكن الشرعية الشعبية لا تستوفى كاملة بالاقتراع بل ان هذه الشرعية تبقى دينامكية و فاعلة و حية بالتفاعل المتواصل و الاتصال بين السلطات المحلية بل و حتى الاتحادية وبين الشعب , و أي انقطاع في الاتصال و التواصل يعني موت للشرعية الشعبية و فقدان السلطات لشرط الشرعية , وأي تصور لدى السلطات بكونها منتخبة من قبل الشعب فهي تحل محله في الحكم و في التمثيل و في الوجود بحيث تشعر انها هي الشعب هذا التصور و هذا الشعور غير صحيح و يؤدي الى الابتعاد عن الشعب و الى الجنوح لا شعوريا باتجاه التفرد بالحكم و الاستبداد و الدكتاتورية , فالشعب كيان قائم بذاته و منفصل عن السلطات و ان كانت هذه السلطات منتخبة و لها قاعدة شعبية كبيرة و نسبة تأييد واسعة , لان التأييد الشعبي عبارة عن رأي و الرأي يمكن ان يتغير بين ليلة و ضحاها بسبب قرار او فعل تقوم به السلطة او تمتنع عن القيام به لسبب وجيه لدى السلطة ولكن الشعب في أغلبيته غير مطلع عليه او غير مقتنع به و لم تستطع السلطة التواصل مع الشعب لإقناعه بوجهة نظرها , عندها تنقطع السلطة عن الشعب و تكون الشرعية الشعبية محل نظر و يجب أعادة تقيمها من جديد.
لعل سائل يسأل الشعب عدده كبير فكيف للسلطات ان تتصل و تتفاعل مع الشعب ؟
هذا صحيح ليس المقصود بالاتصال هو ان تقوم السلطة بالنقاش مع كل فرد من الشعب على انفراد فهذا أمر غير منطقي , لكن هناك مؤسسات شعبية مختلفة يمكن ان تتحاور معها السلطات ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
المنظماتغير الحكومية , وسائل الاعلام المختلفة, الشخصيات العلمية و الدينية و الاجتماعية , النقابات المهنية .
اذا ما الذي يميز هذه المؤسسات عن السلطة ؟ فالسلطة نفسها تتكون من أشخاص هم بالأصل مواطنين من هذا الشعب بل و يزيدون على المؤسسات المذكورة أعلاه أنهم منتخبون من عموم الشعب فلماذا التحاور و الاتصال مع هذه الكيانات التي ندعي تمثيلها الشعب ؟
هذا صحيح ولكن عندما استلم هولاء الأشخاص السلطة أصبح لهم كيان غير الكيان الشعبي قطعا , وهم على فهم و دراية من هذا التصور , لقد أصبحوا مختلفين عن الآخرين فهم أصحاب سلطة و أصحاب قوة و أصحاب أمانة واصحاب مصلحة , وغيرهم الذي وكلهم بكل هذا يريد الانتفاع بهم و منهم وله الحق في الإطلاع و المعرفة بواقع الحال , وهم بعد ان استلموا السلطة أصبح لهم مصالح و تطلعات و غايات نفسية ( فهم غير معصومين قطعا ) ولكن هذه المؤسسات المذكورة أعلاه لا تشاركهم السلطة و ليس لها هذه الغايات و التطلعات و الغايات النفسية قطعا ( باستثناء التابعين لهم من هذه الكيانات لذلك يجب التمييز بين المستقل و التابع من هذه الكيانات).
هذه الشرعية الشعبية يجب ان تبحث عنها السلطات و تديمها و تجتهد في تفعيلها و إنجاحها خدمة لمصالح عموم الشعب و لمصالح السلطات نفسها حتى لا يكون عدم الرضا الشعبي مصدر قلق و إزعاج لهم و عامل تثبيط و أعاقة لمشاريع السلطة التي تتصور ان فيها خدمة للمصالح العليا للشعب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق