الكيانات السياسية
مصطلح استخدم من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق للتعبير عن فرد او جماعة تتقدم للترشح في الانتخابات , وهي تعبير عن الاحزاب السياسية و لكنها شملت الافراد ايضا .
الحزب السياسي عبارة عن مجموعة من المواطنين يتشاركون في افكار و رؤى او ايدولوجيا معينة و يريدون تطبيقها من خلال الوصول الى المناصب الرسمية , في الانظمة الديمقراطية تلعب الاحزاب السياسية دورا رئيسيا في تداول السلطة من خلال الانتخابات وكما يقول لويس أيالا امين عام الاشتراكية الدولية ( الاحزاب السليمة و القوية البنية تفضي الى نظام ديمقراطي قوي و سليم ) .
في العراق التجربة الحزبية مرت بعدة مراحل :
1- المرحلة الملكية شهدت تأسيس عدد من الاحزاب القانونية التي كانت تتسابق للوصول الى البرلمان في ذلك الوقت ولكن كان هناك عدد من الباشوات هم النخبة السياسية المتحكمين بالحياة السياسية العراقية و الذين كان لهم الاثر الاكبر على اتجاهات المواطن العراقي في ذلك الوقت , كما كان للملك التأثير الكبير في اختيار الشخص الذي يشكل الحكومة , لقد كان لبساطة الناخب في ذلك الوقت الدور الفعال في عدم وجود حياة حزبية ناضجة .
كان هناك احزاب في ذلك الوقت تنشط خارج الاطار القانوني و تريد اسقاط النظام الملكي و اقامة انظمة قريبة من معتقداتها الفكرية مثل الحزب الشيوعي العراقي على سبيل المثال الذي دخل في صراع مع السلطة الامنية للمملكة العراقية , كما كان هناك احزاب لها مليشيات مسلحة تقاتل الحكومة لاقامة دولة خاصة على جزء من العراق مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني في الشمال , هذه الاحزاب لم تكن تدور في فلك النظام الملكي وكانت في صراع مع السلطة ولم يكن باستطاعتها ممارسة العمل السياسي بحرية.
بعد سقوط الملكية لم تؤسس حياة سياسية حزبية حقيقة بل كان للصراعات السابقة امتداد و بشكل اكثر عنفا و تمت تصفية الكثير من القيادات الحزبية لمختلف الجهات.
هذه العلاقة بين الاحزاب السياسية و السلطة دفعت الكثير من الاحزاب الى النزول ( تحت الارض) اي الى التنظيمات السرية و تكيفت مع هذه الطريقة في العمل السياسي وهذا خلق لنا طبقة سياسية لم تعرف ولم تتعلم غير العمل السياسي السري و البطش من السلطة و الملاحقة بل وحتى الصراع بين الاحزاب نفسها صراع يصل حد التقاتل المسلح.
هذه الظروف جعلت من الاحزاب السياسية في العراق تتصف بعدد من الصفات :
1- انها احزاب في الغالب سرية عدى حزب السلطة الذي سيطر على اجهزة الدولة و سخرها له .
2- يكون الوصول الى قيادة هذه الاحزاب بطرق غير ديمقراطية في الغالب و غير شفافة ولا تمارس الديمقراطية الداخلية في ادارة هذه الاحزاب .
3- الانتماء لهذه الاحزاب يكون فكريا و عقائديا وبغير ذلك لا يمكن تحمل تبعات الانتماء لها ( عدى حزب السلطة طبعا).
4- مطلوب من المنتمي لحزب المعارضة و لحزب السلطة الطاعة التامة لمن هو في القيادة.
5- تداخل شخصية الحزب المعنوية مع شخصية القيادة الطبيعية و سهولة انجراف القيادة نحو التفرد و الدكتاتورية بسبب عدم وجود اليات محاسبة واضحة و شفافة.
6- غياب الشفافية عن التعاملات المالية و مصادر التمويل و ابواب الانفاق لاموال الحزب .
7- العمل الحزبي في كثير من الاحيان يكون عمل شبه مسلح من خلال المليشيا التي اسسها الحزب .
8- علاقات الحزب الخارجية سرية و معقدة و غير علنية .
9- الاختلاف بين قيادات الحزب غالبا ينتهي بالتصفية او بالاقصاء او بانقسام الحزب بسبب غياب الاسلوب الديمقراطي في العمل الحزبي.
10- الاحزاب القوية هي احزاب مناطقية تنشط في مكون واحد من مكونات الشعب العراقي , فمثلا نرى الحزب الديمقراطي الكوردستاني و الاتحاد الديمقراطي الكردستاني ناشطين في كوردستان العراق فقط و نرى الحزب الاسلامي العراقي ناشط بين المواطنين السنة و حزب الدعوة الاسلامية و المجلس الاعلى للثورة الاسلامية ناشطين بين المواطنين الشيعة , ولم نرى حزب عابر لهذه التقسيمات غير عدد من الاحزاب العلمانية و اليسارية التي لا تتمتع بانتشار شعبي كبير قياسا بالاحزاب المذكورة اعلاه (قبل 2003) و حتى بعد هذا التاريخ تقريبا الصورة لم تتغير كثيرا باستثناء نشاط التيار الصدري .
11- عادة لا يمكن الصعود في المراكز القيادية في الحزب بغير رضا القيادة العليا وليس العكس كما يجري في الاحزاب الديمقراطية التي تنال القيادة العليا فيها رضا القاعدة كشرط لتقدمها في سلم القيادة.
12- هذه الاحزاب لم تهتم كثيرا لمقومات العمل الحزبي حسب المعايير الديمقراطية فلا دستور ( نظام اخلي) ثابت لها يتمتع بالاحترام ولا انتخابات شفافة لاختيار القيادة ولا رؤية لدولة مدنية تشمل كل اطياف الشعب العراقي ولا شفافية في التعاملات المالية الخ.
13- لم يوجد في العراق قانون حقيقي ينظم العمل الحزبي و ان وجد فهو مصمم لتعزيز قبضة حزب السلطة ( لغاية عام 2003) .
نتحدث الان عن الوضع القانوني للاحزاب السياسة , كما قلنا ان دكتاتور البعث المقبور منع كل نشاط حزبي ينافس حزبه طيلة فترة حكمه , و اصدر بعد الانتفاضة الشعبانية المباركة قانون بالرقم 30 لسنة 1991 ينظم تاسيس وعمل الاحزاب السياسية في العراق وكان حبرا على ورق بكل تاكيد , عام 2004 اصدر ممثل الاحتلال الامريكي للعراق بريمر امرا بالرقم 97 ينظم عمل الاحزاب ولكنه لم يكن ناضجا كفاية ولم ينجح في تنمية و تطوير الحياة السياسية في العراق الديمقراطي الجديد , اليوم (شهر أب 2011) هناك مسودة قانون للاحزاب في البرلمان تجري حولها نقاشات عديدة سوف نبحثها في هذا الموضوع ولكن قبل ذلك نود معرفة خصائص الاحزاب الديمقراطية كما توصف بها في البلدان التي سبقتنا بتطبيق الديمقراطية في العالم .
هناك خمسة مهام اساسية للاحزاب السياسية في ظل الانظمة الديمقراطية هي :
1- التنافس في الانتخابات و تحقيق الفوز فيها سعيا للحصول على قدر من السيطرة على المرافق و المؤسسات الحكومية.
2- حشد المصالح الاجتماعية و تمثيلها.
3- طرح بدائل للسياسات .
4- التحقق من نزاهة القادة السياسيين الذين سيكون لهم دور في حكم المجتمع.
5- كسب و تدريب الاعضاء للحزب و على مختلف المستويات القيادية.
هذه المهام الخمسة هي جوهر العمل الحزبي الناضج . كما ان هناك قاعدة عامة لعمل هذه الاحزاب وهي ( الانطلاق من الشأن المحلي الى الشأن الوطني) اي ان كل السياسات هي محلية بالاساس فلا يمكن للحزب كسب ثقة الناخب اذا لم يقدم سياسات بديلة تحاكي هموم الناخب اليومية التي تمس حياته في مدينته او الحي الذي يعيش فيه و الاكتفاء بتقديم سياسات على المستوى الوطني العام , فلا يستطيع حزب ان يهمل الخدمات البلدية الرديئة على مستوى قضاء مثلا و يركز على مشاكل دولية مع دول الجوار مثلا و يكتفي بهذا الطرح للفوز في انتخابات تجري في بلد ديمقراطي يتمتع فيه الناخب بالوعي و الثقافة الانتخابية الديمقراطية .
لا يمكن لحزب ان يعيش و يتحرك في وسط ديمقراطي اذا لم يكن هو نفسه يطبق قواعد الديمقراطية , و اذا لم يكن له نظام داخلي يتمتع بالاحترام بين اعضاء الحزب و خصوصا من قيادته يجب ان يسجل في النظام الداخلي للحزب عدة امور مهمة لديمومته منها :
1- شروط العضوية ,2- تصنيف المناصب القيادية و الشروط الواجب توفرها في شاغليها و طريقة انتخابهم , 3- وصف الوحدات الادارية المختلفة للحزب على المستويات المختلفة المحلية و الوطنية و وصف العلاقات بينها , 4- تشكيل لجان متخصصة لوضع سياسات الحزب و لتمويله و لتنظيم الاتصال مع الاخرين 5- طريقة مراقبة و محاسبة اعضاء الحزب و قياداته و التدقيق في المخالفات التي قد تصدر منهم . ولا يمكن لحزب ان يكون ديمقراطيا اذا لم تكن قيادته قد وصلت الى مركزها من خلال انتخابات حزبية شفافة و نزيهة و دورية شارك فيها اعضاء الحزب بعد منح الجميع حرية التعبير و ابدأ الرأي في المرشحين لقيادة الحزب بدون خوف من الاقصاء و التهميش و باشراف قضائي او محايد خصوصا في الفترة الانتقالية التي تمر بها الاحزاب الى التنظيم الديمقراطي .
التنظيم في الاحزاب الديمقراطية متشابه في الهيكيلية بشكل عام و عادة يوائم التشكيلات الادارية في الدولة و يتبع الدوائر الانتخابية لمختلف المناصب العامة وذلك لان الحزب كما قلنا سابقا يستهدف الفوز في الانتخابات و بالتالي عليه ان ينظم صفوفه حسب الدائرة الانتخابية فمثلا لديه تنظيم حزبي يتمتع بادارة معينة على مستوى الناحية مثلا و هناك تنظيم اكبر يضم عدة نواحي على مستوى القضاء و تنظيم اكبر يضم عدة اقضية على مستوى المحافظة و هكذا وصولا الى المستوى الوطني و كل وحدة تنظيمية لها هيئتها العامة و مجلسها التنفيذي المنتخب من الهيئة العامة و قبل تنظيم الانتخابات العامة تجتمع هذه التنظيمات المختلفة لاختيار مرشحيها للانتخابات ولا يشترط ان يكون الاشخاص الذين يقودون هذه التنظيمات هم المرشحين بشكل تلقائي بل تجري منافسة جديدة قد يشترك فيها حتى مرشحين من خارج التنظيم الحزبي .
من اهم واجبات الحزب الديمقراطي هي وضع سياسة تحاكي رسالة الحزب و تميزه تجاه الاحزاب الاخرى و عرض هذه السياسة على المواطنين لاجل كسبهم لصفوفه او على الاقل كسب اصواتهم في الانتخابات , يجب ان يكون لكل حزب مكتب متخصص بالدراسات و البحوث ويكون له ما يشبه حكومة الظل وعلى مختلف المستويات الادارية لكي تتابع عمل الحكومة و تضع السياسات البديلة و تستشعر نبض الشارع و تقرر صياغة الخطاب الاعلامي و التفاهم مع الاعضاء على سياقات التحرك و الخطاب الاعلامي , كل هذه الامور تجعل من الحزب خلية عمل دائمة على مدار العام وليس نشاط لفترة محدودة هي فترة الانتخابات فقط والدخول في سبات عميق حتى الانتخابات القادمة او الاكتفاء بتبرير الاخطاء التي قد يقع فيها الحزب خلال فترة مشاركته في الحكم , ان وضع الحزب لالية واضحة و معروفة لجميع اعضائه لمحاسبة مرشحية الذين استلموا مناصب حكومية و بشكل دائم من اهم علامات التزام الحزب بالمصلحة العليا للبلد و شهادة على التزام الحزب بالنزاهة و عدم تقديم المصلحة الخاصة للحزب و قيادته على مصالح الشعب , الكثير من الاحزاب تنشط في الدفاع عن الفاسدين الذين يمثلونها في الحكومة او البرلمان خشية السقوط في الشارع ولكن هم لا يدركون ان سقوطهم حتمي بهذا التصرف و ان استمرت تغطيتهم بعض الوقت ولكن لو انهم اتجهوا الى التخلص من الحالات الشاذة لكان هذا افضل كثيرا لهم .
الاحزاب السياسية كائنات تعاني من الهرم اذا لم يتم كسب شباب جدد لها و كذلك تعاني هذه الكائنات من فقدان الخبرات لاسباب طبيعية فهي بحاجة الى تدريب الكسب الجديد من الشباب و تزويدهم بالخبرات المختلفة لذلك لا يمكن لحزب ان يتناسى عمليتي الكسب للتجدد و التدريب لهذا الكسب , التمويل شرط مهم من شروط ديمومة العمل الحزبي و بدونه لن يكون هناك نشاط للحزب , الاحزاب الديمقراطية تعلن كل عملياتها المالية من تبرعات او غيرها و تعلن موازناتها بشكل شفاف حتى تضمن عدم حصول اي فساد مالي او حصول تمويل غير مشروع من اي جهة داخلية او خارجية قد تؤثر على قرارات الحزب او على شعبيته في الشارع.
الاحزاب الديمقراطية عادة تختار برامج سياسية بعيدة عن التعنصر او التخندق الطائفي و ترى تنوعا في العضوية وهذا ما يكسبها البعد الجغرافي الوطني و الانتشار الذي يقويها على امتداد الخارطة لكل الوطن و يغنيها عن التازلات للاحزاب الاخرى كما يجري في العراق مثلا من تحالفات سياسة هشة سرعان ما تنقلب الاطراف السياسة المتحالفة بعضها على بعض , فلو كان احد هذه الاحزاب له امتداد في عضويته في كل المناطق الجغرافية و هذا طبعا ياتي من ايمان افراد من كل المكونات برسالته و بسياساته و حقق هذا الحزب الاغلبية منفردا لكان باستطاعته تشكيل الحكومة لوحده بدون الحاجة للتنازل لحزاب اخرى منافسه.
الان ما الاشكالات التي اثيرت على مسودة قانون الاحزاب الذي يناقش في البرلمان العراقي هذه الفترة :
1- ورد في المادة 2 من القانون ان وزارة العدل هي الجهة المسؤولة عن اقرار الاحزاب وهذا لا يمكن لان هذه الوزارة هي تابعة للسلطة التنفيذية و يجب ان تكون جهة التسجيل و الاقرار جهة مستقلة حتى لا نقع في تضارب المصالح .
2- الجدل كثير حول المادة 5 من مسودة القانون و التي منعت تأسيس الاحزاب على اسس طائفية او عنصرية الخ ولكنها لم تمنع تأسيس الاحزاب على اسس دينية وهنا مشكلة من حيث ان الدستور يساوي بين العراقيين والحزب الديني لا يحقق هذه المساواة وهذه المادة عيب خطير في القانون يجب تعديله.
3- هناك اعتراضات على قضية التمويل و قضية اعلان اسماء اعضاء الحزب و كلها اعتراضات يمكن معالجتها او انها اعتراضات بسبب الوضع الاستثنائي الذي يعيشه العراق اليوم ولكن اذا تحسن الوضع فان الكثير من هذه الاعتراضات سوف ترفع.
ان صدور قانون للاحزاب في العراق يمثل خطوة ايجابية فعلا و يمكن ان تدفع باتجاه تطوير الحياة السياسية في العراق الديمقراطي و مهما كان يشوب هذا القانون من ( عيوب) فانه يمكن تعديله و تحسينه.
نحتاج في العراق الى جيل من السياسين الشباب , جيل ممن لم يتعرض الى الامراض النفسية التي اصيب بها من سبقهم بسبب الاضطهاد و القهر و الجور و الانتقام , جيل يعمل سوية بدون تمييز طائفي او عرقي او مناطقي , جيل يتربى على اصول العمل السياسي الديمقراطي كما معمول به في الدول الديمقراطية وليس كما معمول به اليوم في العراق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق