تطوير مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في مجلس التخطيط و التنمية
ماجد ابوكلل
ما زال العراق يطور ادوات الادارة اللامركزية بعد ان اعتادت اجهزة الدولة العراقية طيلة عقود طويلة على الادارة المركزية , و كذلك ما زالت اجهزة الحكومة العراقية تستكشف طريقها لتحقيق مشاركة فاعلة و ايجابية ما بين السلطات العامة و مؤسسات المجتمع المدني من ضمن تطبيقات الحكم الرشيدة , لا بد ان يعترف الجميع ( سلطات عامة و مؤسسات مجتمع مدني ) ان هذه التجربة برمتها جديدة و بالتالي تحتاج صبر و مثابرة و تفهم من كل الاطراف و فوق كل ذلك تحتاج الى ارادة و نيات حسنة على المضي قدما في هذا الطريق.
من ضمن ما تم التوصل اليه من تشكيلات ادارية على طريق الادارة اللامركزية و على طريق الحكم الرشيد و على طريق بناء مشاركة ايجابية و مسؤولة هو تأسيس مجالس التخطيط و التنمية في المحافظات العراقية بتوجيه من وزارة التخطيط و بموافقة من الحكومة الاتحادية , بعد اجراء دراسة مستفيضة من قبل مؤسسات دولية في هذا الشأن , اليوم نستطيع القول ان جميع المحافظات العراقية قد استكملت تشكيل هذه المجالس ( لا اعلم بخصوص اقليم كوردستان العراق ) , لكن هناك اعتقاد ان هذه المجالس لم يجري استثمارها بالشكل الامثل بما يحقق الهدف الذي استحدثت من اجله وهو
( يهدف مجلس التخطيط و التنمية في المحافظة الى تعزيز التنمية الاقتصادية و الاجتماعية الشاملة و المستدامة في المحافظة و تنسيق الجهود التنموية للادارات الاتحادية و المحلية في المحافظة و ضمان تكامل الجهد التنموي المركزي و المحلي في المحافظة و تجنب الازدواجية في الاعمال و المشاريع المنفذة من قبل الوزارات الاتحادية و الحكومات المحلية)
وهذا الهدف كبير و واسع و يستوعب مساحة كبيرة جدا من مهام و اعمال الحكومات المحلية و الاتحادية , خصوصا اذا اضفنا الى كل ذلك نقل الوظائف الادارية من الوزارات الاتحادية الى الحكومات المحلية تطبيقا للمادة (٤٥) من قانون رقم (٢١) لسنة ٢٠٠٨ المعدل.
السؤال الكبير هو كيف يمكن استثمار هذه المجالس بالشكل الامثل بما يحقق هدف تشكيلها و كيف يمكن تطوير دور مؤسسات المجتمع المدني في هذه المجالس اذا علمنا ان هناك ٣ منظمات غير حكومية ممثلة في هذه المجالس بالاضافة الى عدد من الاتحادات المهنية و ممثلي الجامعات ؟
يمكن الاجابة على هذا السؤال اذا استطعنا ان نطور رؤيتنا بداية لدور هذه المجالس , على مستوى الحكومات المحلية و على مستوى مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في اتخاذ القرار في هذا الحكومات:
أ- على مستوى الحكومات المحلية :
تفتقر الحكومات المحلية في شقها التنفيذي الى وجود نظام اداري متطور يوزع المسؤوليات و الواجبات بين مختلف الدوائر الحكومية و بين مختلف المناصب اللتنفيذية بما يمكن ان يحقق توحيد الرؤى و توحيد الاستراتيجيات و الخطط , و لم يستطع القانون رقم (٢١) لسنة ٢٠٠٨ ايجاد مثل هذا النظام الاداري و بالتالي تركزت السلطات بيد المحافظ باعتباره الموظف التنفيذي الاعلى في المحافظة مما ادى في كثير من الاحيان الى ضبابية و غموض اذا لم يكن عدم استقرار في عملية اتخاذ القرار , علما ان الحكومة المحلية ( التنفيذية ) فيها الكثير من الدوائر التي يجب ان تعمل بتنسيق عالي و برؤية موحدة حتى تستطيع ان تنجح , يمكننا ان نقدم مجلس التخطيط و التنمية على انه الحل الامثل لهذه المشكلة , كونه مجلس يجمع في عضويته مدراء كل الدوائر المهمة في المحافظة فضلا عن المحافظ و نائبه و ممثلي مؤسسات المجتمع المدني و الجامعة , و بالتالي يمكن ان يكون هو المكان المناسب لتوحيد الرؤى و وضع الاستراتيجيات و الخطط التي تنسق عمل الحكومة المحلية التنفيذية و تراقب تنفيذ هذه الخطط , وهذا ما ورد في المهام و الاختصاصات التي وضعت للمجلس من قبل وزارة التخطيط الاتحادية , لكن هذا يحتاج الى تفهم عالي و رغبة من السادة المحافظين لكي يلعب المجلس هذا الدور بشكل حقيقي , بكلمات قليلة يمكن ان يكون هذا المجلس عبارة عن ( مجلس وزراء محلي مصغر ) برئاسة المحافظ تمر من خلاله القرارات المهمة في مجال التخطيط و من بعد اقرارها في المجلس تواصل طريقها الى مجلس المحافظة و بعد اقرارها من مجلس المحافظة يقوم مجلس التخطيط و التنمية بمراقبة و تقييم تنفيذ هذه القرارات حسب معايير محددة يضعها و يصدر تقارير بهذا التقييم الذي يرصد مستوى الانجاز و جودته و يرصد اي خلل او انحراف عن المخطط او عقبات يمكن ان تحصل و يتخذ القرارات بصددها و يرسل تقاريره الى مجلس المحافظة.
ب - على مستوى مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في اتخاذ القرار :
الحكم الرشيد يستدعي وجود مشاركة ما بين ٣ حلقات هي ( السلطات العامة ) , ( مؤسسات المجتمع المدني ) و ( القطاع الخاص ) , مشاركة مؤسسات المجتمع المدني مع الحكومات المحلية بشقها التشريعي الرقابي ( مجالس المحافظات ) لها تفصيل اخر يمكن ان نبحثه في اوراق اخرى و لكن بالاجمال يمكن القول ان الياته واضحة من خلال مشاركة ممثلي المؤسسات المدنية في اجتماعات اللجان المختلفة لمجلس المحافظة و تبادل الرأي و الافكار و حضور اجتماعات مجلس المحافظة بصفة مراقب و اعتراف مجلس المحافظة بدور هذه المؤسسات المدنية من خلال تبادل المعلومات و الاقتراحات و الافكار و يمكن ان تنظم كل هذه الامور في مذكرة تفاهم توضع لهذا الغرض يجري التصويت عليها في مجلس المحافظة و يمكن ادراج بعض البنود التي ترسخ هذه العلاقة الايجابية في النظام الداخلي لمجلس المحافظة .
يبقى لدينا المشاركة ما بين مؤسسات المجتمع المدني و الحكومات المحلية في شقها التنفيذي ( ديوان المحافظة و الدوائر الرئيسية ) , من خلال التجربة العملية ثبت لنا انه من الصعب على المؤسسات المدنية تحقيق مثل هذه الشراكة بصورة مثالية بين هذه المؤسسات و الدوائر بشكل منفرد مع كل دائرة على حدة او بين الدائرة و احدى المؤسسات المدنية بسبب كثرة هذه الدوائر و تعدد مهامها و تنوع نشاطاتها و هذا يتطلب جهود و موارد بشرية و مادية كبيرة من مؤسسات المجتمع المدني منفردة هي بالتأكيد غير متوفرة دائما, النموذج الافضل و الاكثر عملية هو وجود قناتين كبيرتين متصلتين يمكن ان تمر عبرهما عملية المشاركة و التعاون ما بين الحكومات المحلية ( في شقيها التنفيذي و حتى التشريعي الرقابي ) , القناة الاولى تتكون من كل من مجلس المحافظة ( وتم بحثه في اولا اعلاه) و من مجلس التخطيط و التنمية , تقابل هذه القناة ( الحكومية ) قناة مدنية هي عبارة عن مجلس او هيئة ( بعض النظر عن التسمية ) تجمع المؤسسات المدنية على مستوى المحافظة و تمثل هذه المؤسسات امام القناة الحكومية , و بالتالي نستطيع الجزم ان عملية المشاركة و التعاون ستحدث باعلى مستوى ممكن من الشفافية و الكفاءة و العملية ,لذلك وجود مجلس يجمع مؤسسات المجتمع المدني اصبح ضروري خصوصا اذا علمنا ان مجلس التخطيط و التنمية لا يحتوي غير ٣ منظمات غير حكومية فقط في كل محافظة بينما يوجد عشرات اذا لم يكن مئات من هذه المنظمات في المحافظات .
ج - التوصيات:
نوصي قيام مؤسسات المجتمع المدني ( منظمات غير حكومية , نقابات مهنية , اتحادات مهنية ) بالتشاور فيما بينها و تشكيل هيئة او مجلس يجمعها و يمثلها في الشراكة المرتقبة و المزمع تطويرها مع الحكومات المحلية في شقيها التشريعي و التنفيذي , و يمكن الاطلاع على تجربة محافظة المثنى في هذا المجال عندما قامت اغلب مؤسسات المجتمع المدني في المحافظة بانتخاب مجلس المؤسسات المدنية في محافظة المثنى بتاريخ ٢٣ ايار ٢٠١٥ , وجود مثل هذه المجالس سوف يسهل عملية المشاركة و انضاج الرؤى و الخطط و المواقف بين المؤسسات المدنية قبل التوجه بها الى الشريك المتمثل بالحكومة المحلية ( وهي جهة موحدة ) .
يقوم المجلس المدني المقترح بانتخاب ممثلي مؤسسات المجتمع المدني الثلاث في مجلس التخطيط و التنمية , بالاضافة الى المؤسسات التي سميت بالاسم كاعضاء في مجلس التخطيط و التنمية مثل غرفة التجارة و اتحاد رجال الاعمال و اتحاد الصناعيين , و بالتالي سيكون هناك ٦ او اكثر من المؤسسات المدنية كاعضاء في مجلس التخطيط و التنمية .
من خلال مجلس التخطيط و التنمية تقوم المؤسسات المدنية بدور نشيط في الدفع باتجاه تفعيل المجلس نفسه لان تفعيل مجلس التخطيط و التنمية هدف تسعى له المؤسسات المدنية في حالة تلكوء عمل هذا المجلس او عدم وجود الاهتمام الكافي به من قبل بعض الحكومات المحلية , كما تقوم المؤسسات المدنية كل حسب اختصاصه ولكن بمقتضى خطة عمل متكاملة باعداد اوراق سياسات عامة تمثل رؤية هذه المؤسسات لتطوير المحافظة تنمويا و خدميا و تقديم هذه الاوراق الى مجلس التخطيط و التنمية بعد مناقشتها و تبنيها من قبل مؤسسات المجتمع المدني نفسها لكي تكتسب الزخم المطلوب و الشرعية كونها تمثل رؤية مشتركة لاغلب المؤسسات المدنية في المحافظة.
يمكن ان تلعب مؤسسات المجتمع المدني دورا رقابيا فاعلا من خلال مجلس التخطيط و التنمية على تنفيذ الخطط و البرامج المختلفة للحكومة المحلية و بالتالي يتحقق هدف رئيسي من اهداف هذه المؤسسات في المساءلة الاجتماعية و ممارسة الرقابة الشعبية بصورة متطورة .
يجب ان تركز مؤسسات المجتمع المدني على (تنموية) الانشطة و المشاريع الحكومية , لان طبيعة العمل الحكومي في الفترة الماضية ( و المتوقع في الفترة المقبلة ) هو العمل و الانفاق بغض النظر عن الرؤية التنموية بسبب التدخلات السياسية و الضغوط التي تمارس على الدوائر المختلفة و بالتالي تستطيع المؤسسات المدنية بما انها مؤسسات غير سياسية و لا تهدف الى الوصول الى السلطة ان تلعب دورا مستقلا و مصححا لاي خلل يحدث نتيجة تصارع او تنافس الارادات السياسية .
يمكن ان تنقل المؤسسات المدنية حاجات و اولويات المواطنين في الشارع بامانة و بعد ان تجري دراساتها و استبياناتها المختلفة و تشذب هذه الاراء بموضوعية و مهنية تنقلها الى الحكومة المحلية عن طريق مجالس التخطيط و التنمية و بالتالي تحقق هذه المؤسسات احد اهم اهدافها وهو نقل حاجات و اولويات المواطنين خالصة بدون اضافات او مصالح فئوية او شخصية الى صناع القرار في المحافظة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق