الهجرة الى الغرب , اسباب و حلول
ماجد ابوكلل
يشهد العراق هذه الايام موجة جديدة من الهجرة الى الغرب عن طريق تركيا , من المعروف للجميع ان هذه الموجة ليست الاولى , فقد سبقتها موجات من الهجرة نتيجة الاحداث العنيفة التي شهدها العراق منذ بداية عقد السبعينيات من القرن المنصرم , و لعل الكثير منا يتذكر موجات الهجرة الكوردية من اقليم كوردستان العراق في النصف الثاني من عقد السبعينيات و ما تلاه من عقود ثم التحاق سكان وسط و جنوب العراق بهذه الموجات بعد الانتفاضة الشعبانية في عام ١٩٩١, ثم موجات الهجرة التي تلت احكام الحصار الاقتصادي على العراق بعد احتلال نظام صدام المقبور للكويت عام ١٩٩٠ , ثم استمرت موجات الهجرة بعد سقوط النظام الصدامي و بعد اعلان امريكا احتلالها للعراق عام ٢٠٠٣ و ما تبع ذلك من انتشار اعمال العنف في مختلف المناطق و خصوصا في بغداد و المناطق الغربية.
حسب بعض التقديرات التي نشرت مؤخرا فان ٨٠٠٠ مهاجر يعبر البحر يوميا الى اوربا نصفهم تقريبا عن طريق السواحل التركية ( عراقيين و سوريين ) , كما نشرت بعض التقديرات عن عدد الغرقى من المهاجرين الذين جازفوا بعبور البحر من السواحل التركية بحدود ٢٧٠٠ شخص منذ بداية العام الحالي , هذه الارقام التقديرية تبين حجم هذه الظاهرة و مدى خطورتها على المجتمع العراقي .
اذا ما الذي يميز موجة الهجرة الاخيرة عن موجات الهجرة السابقة ؟
على المستوى المحلي :
1.كل موجات الهجرة التي شهدناها لم تتصف بالسهولة التي اتصفت بها الموجة الاخيرة من حيث امكانية مغادرة العراق بدون مشاكل كما كان يحدث ايام النظام المقبور , فاليوم اي مواطن عراقي بمكانه الحصول على جواز سفر له و لجميع افراد اسرته بسهولة كما ان كلفة السفر جوا من العراق الى تركيا ليست بالكلفة الباهضة و بالتالي يمكن القول ان هذه السهولة قد اغرت الكثيرين على تجربة حظهم في الهجرة و خوض هذه المغامرة غير المكلفة ماليا بالنسبة لهم .
2.كان النظام المقبور يمنع الموظفين و منتسبي القوات المسلحة و القوى الامنية من السفر بل يمنعهم من الحصول على جواز سفر الا بموافقات معقدة و بالتالي حد من هجرة هؤلاء و لكن نلاحظ اليوم عدم وجود مثل هذا المنع , حيث يمكن لاي مواطن عراقي بغض النظر عن الوظيفة او المنصب الذي يشغله الحصول على جواز سفر و مغادرة العراق باستثناء من صدر بحقهم منع قضائي وهذا سهل لكثير من منتسبي الجيش و القوى الامنية المغامرة بمغادرة العراق بحثا عن حياة جديدة في اوربا.
3.ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة مثل الفيس بوك في انتشار فديوات قصيرة يصورها الشباب العراقي الذي نجح في الوصول الى اوربا و التي تبث العزيمة و تشجع باقي الشباب على تقليد من نجح في العبور من تركيا الى اليونان و وصل الى اوربا حيث الحياة الجديد , كما استغل المهربون وسائل التواصل الاجتماعي في تسويق خدماتهم للمهتمين و اغرائهم بوعود زائفة و غير حقيقية.
4.كان للبطالة المنتشرة بين الشباب العراقي كبير الاثر في تحفيزهم على الهجرة و محاولة البحث عن فرص عمل خارج العراق لفقدانهم الامل في عيش حياة طبيعية و ايجاد عمل يمكنهم من بناء حياتهم و الزواج و الاستقرار اجتماعيا و اقتصاديا.
على المستوى الدولي :
1.الكثير من الدول ومنها تركيا و اليونان و المانيا ترسل رسائل مشجعة على الهجرة او لنقل بالاجمال رسائل ايجابية ( خصوصا خلال الفترة الماضية ) مما شجع الكثير من الناس على القيام بهذه الخطوة و محاولة ( القفز ) من اسيا الى اوربا.
2.تركيا بالتحديد وضعت استراتيجية جديدة استخدمت فيها الهجرة كاداة للضغط على اوربا في محاولة لتغيير سياستها تجاه الازمتين السورية و العراقية , و يمكن فهم هذه الرسالة التركية من خلال تشديد الحراسة على حدودها البرية مع اليونان و ترك سواحلها بلا حراسة تقريبا لتشجيع الراغبين بالهجرة على خوض المغامرة البحرية الخطرة التي سوف تؤدي بكل تاكيد الى غرق الكثيرين منهم ليشكل هذا الحدث صدمة لدول اوربا و الدول الغربية بشكل عام , كما ان تركيا لم تقم بفعل شيء حقيقي لردع عصابات تهريب البشر عبر البحر التي تنشط في مدن و اماكن محددة مكشوفة لاجهزة الامن التركية , كل هذا يبين للمراقبين الدور التركي المساعد لتنشيط موجة الهجرة الاخيرة عبر اراضيها.
٣.فجأة تغير المانيا سياستها المتشددة في قبول المهاجرين الى سياسة اكثر انفتاحا على الاقل اعلاميا, مما اوصل رسالة ايجابية لمن يرغب بالهجرة الى اوربا و قد تكون هذه الرسالة في الواقع غير حقيقة بدليل ان المانيا لم تعدل قوانين قبول اللاجئين و المهاجرين اليها تحديدا ( اللاجئين لاسباب اقتصادية ) و هو الوصف الذي ينطبق على الكثير من طالبي اللجوء الذين يخاطرون بعبور البحر من تركيا الى اليونان , و نتيجة لهذه الرسالة الخاطئة التي تلقاها المهاجرون وقع الكثير منهم في مأزق كبير بعد وصولهم الى المانيا حيث وجدوا انفسهم امام قوانين متشددة تمنع منح اكثرهم حق اللجوء الانساني و بالتالي سيضطرون ان عاجلا او اجلا الى العودة طواعية او مرغمين الى بلدهم الاصلي او الى بلد اخر يقبل بهم ولكنه لن يوفر لهم الرفاهية التي كانوا يحلمون بها.
٤.تشهد مناطق كثيرة من سوريا و من العراق ( التي تقع تحت سيطرة التنظيمات الارهابية مثل داعش و اخواته ) عملية تغيير ديموغرافي على مستوى ما , حيث يهاجر سكان هذه المناطق باتجاه اوربا هربا من الارهاب و يهاجر الى هذه المناطق عوائل كاملة من وسط اسيا و شمال افريقيا في الغالب يعتنقون الفكر التكفيري ليكونوا ( مواطنين جدد ) في ( دولة الارهاب ) الوليدة , وهذه العملية في الحقيقة تشبه الى حد بعيد ما جرى في فلسطين عند تاسيس الكيان الاسرائيلي قبل عقود من الزمن.
اذا , كيف يمكن تحجيم هذه الموجة من الهجرة ؟
على المستوى المحلي :
١.يجب على الحكومة اعادة النظر بالسياسات الاقتصادية المطبقة في العراق و البحث عن اسباب البطالة المستشرية بين الشباب و دراسة الحلول الممكنة لايجاد فرص العمل في القطاع الخاص لابعاد فكرة الهجرة بحثا عن العمل عن اذهان الشباب و لحين تمكن الحكومة من التوصل الى الحلول المناسبة لا بد من ايجاد الية مؤقتة لدعم الشباب ماليا بمبالغ صغيرة ( ضمان اجتماعي ) وعدم تركهم بلا اي دعم او رعاية ليكونوا عرضة لليأس و الاحباط الذي يدفعهم الى التفكير بالهجرة.
٢.عدم الاستقرار السياسي و الامني و الازمات المتوالية التي يتعرض لها العراق تعتبر سبب رئيسي من اسباب تفكير الكثير من العراقيين بالهجرة بحثا عن الاستقرار و ابتعادا عن الازمات التي قد تعرض حياتهم الى الخطر و للاسف لم تستطع الطبقة السياسية العراقية لغاية الان التوصل الى حالة من الاستقرار الامني و السياسي رغم كل جهود المصالحة و مبادرات التصالح و يمكن القول ان بقاء حالة التوتر و عدم الاستقرار الامني و السياسي سوف يؤدي بلا شك الى نتائج وخيمة منها على سبيل المثال لا الحصر ظاهرة الهجرة لذا فان العمل الجاد من قبل اصحاب القرار و قادة المجتمع على معالجة الازمات و الاتجاه بالعراق الى الاستقرار سيكون له دور كبير في الحد من الهجرة.
٣.لا بد من توعية المواطنين العراقيين بان الهجرة و طلب اللجوء الى اوربا ليس بالسهولة و اليسر الذي يصوره البعض لهم , و ان مجرد الوصول الى اوربا لا يعني بان الامور قد تم تسويتها و ان هجرتهم تمت بنجاح , هذه التوعية يجب ان تجري من خلال حملة اعلامية تشارك فيها جميع المراكز الاجتماعية المؤثرة مثل المرجعيات الدينية و شيوخ العشائر و كذلك مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في العراق , كما ان الحكومة العراقية يجب عليها ان تنسق و تدعم هذه الحملة الاعلامية و تسوق لها من خلال اعلانات مدفوعة الثمن في القنوات الاذاعية و الفضائية المختلفة , لتعمل هذه الحملة بشكل مضاد مقابل الحملات التي تسوق و تشجع على الهجرة و التي لا تجد من يرد عليها بشكل جدي من اي طرف و بالتالي تكون فعالة و مؤثرة على الوعي الجمعي في المجتمع العراقي , و يجب التركيز على نقطة مهمة وهي ان العمل في اوربا شاق و متعب وليس سهلا و ان الشاب العراقي لو عمل في العراق بنفس الروحية و المجهود الذي سيبذله في اوربا لتمكن من ايجاد فرص عمل جيدة و بمدخول مالي مستقر افضل من هجرته الى اوربا.
٤.لا بد من تطبيق القوانين العراقية التي تمنع منتسبي الجيش و القوى الامنية من السفر بدون موافقة مسبقة من الجهات المختصة وهذا الاجراء مطبق في كل دول العالم , ولا يمكن ان يبقى العراق خارج هذا السياق الامني المهم لحماية امنه الداخلي و لحماية منتسبي الجيش و قوى الامن الداخلي من اي محاولة مخابراتية اجنبية للتاثير عليهم او تجنيدهم خارج العراق .
٥.نوصي القائد العام للقوات المسلحة باصدار عفو عن منتسبي الجيش و قوى الامن الداخلي الذين تم فصلهم من الخدمة بسبب غيابهم و هم في الحقيقة كانوا ضحية عصابات التهريب و ضحية الموجة الاخيرة من الهجرة الى خارج العراق , و هناك نسبة كبيرة من الذين تقطعت بهم السبل خارج العراق من منتسبي الجيش و الاجهزة الامنية و هم لا يستطيعون العودة للعراق خشية الملاحقة القانونية او خشية عدم ارجاعهم للخدمة و بالتالي انقطعت ارزاقهم و ارزاق عوائلهم و لا يوجد سبب اخر لبقائهم خارج العراق , و اعتقد جازما في حالة صدور عفو عنهم و ارجاعهم للخدمة سوف يعودون و باعداد كبيرة .
٦.لا بد من تفعيل الدور الاستخباري المتخصص بمتابعة عصابات التهريب التي تنشط جهارا نهارا و توقع المواطنين في شراكها بدون اي متابعة او محاسبة من قبل الاجهزة الامنية و يمكن الاطلاع على كثير من هذه العصابات العاملة داخل العراق من خلال مجموعات على الفيس بوك او من خلال مكاتب متخصصة بالتهريب .
٧.لا بد من تحسين ظروف الحياة المتاحة امام النازحين من المناطق الساخنة داخل العراق , و هذا من واجب الحكومة العراقية و المنظمات الدولية و المحلية و الجهات الاخرى التي يمكن ان تتدخل لتوفير الدعم و الرعاية لهم حتى لا يضطروا الى البحث عن فرص افضل لتحسين حياتهم خارج العراق من خلال المجازفة بالهجرة بطرق غير مشروعة.
على المستوى الدولي :
١.يمكن ان تفعل الحكومة العراقية الاتفاقيات الدولية وتحفز المنظمات الدولية و تستخدم اساليب الضغط الدبلوماسي و الادوات المختلفة المتاحة بيد الحكومة للضغط على الحكومات الاجنبية التي تقف ساكنة دون حراك وهي ترى العصابات تستغل حاجة العراقيين و ترمي بهم في البحر في مجازفة غير محسوبة تؤدي في كثير من الاحيان الى الغرق .
٢.يجب على الحكومة العراقية العمل على افشال الاستراتيجيات التي تنتهجها بعض دول المنطقة في استغلال معاناة العراقيين و استخدام هذه المعاناة كاداة من ادوات الفعل الاستراتيجي في المنطقة و هذا يتطلب وعي بهذه الاستراتيجيات من قبل صناع السياسات الاستراتيجية العراقية و من قبل القيادة السياسية للبلد.
٣.كما يجب على الحكومة العراقية متابعة عصابات التهريب التي تنشط خارج العراق ( تحديدا في تركيا ) و التي تستهدف العراقيين و تحاول جاهدة الاحتيال عليهم بحجة تهريبهم عبر البحر الى اليونان , ويمكن ان يلعب جهاز المخابرات العراقي دورا فعالا في هذا المجال بالتعاون مع السفارات العراقية في الخارج .
٤.هناك العديد من العراقيين الذين انقطعت بهم السبل خارج العراق و سرقت اموالهم و حتى وثائقهم الشخصية و يحتاجون الى المساعدة للعودة الى العراق , و هنا يجب ان يكون دور السفارات العراقية في متابعة احوالهم و مساعدتهم للعودة الى العراق بكل الطرق المتاحة .
دراسة غنية بالكثير من المعلومات والحلول
ردحذفمقال اكثر من رائع تحياتي لك استاذ ماجد على هذه الجهود في توضيح كل مايتعلق بالهجرة الى الغرب.