المراكز الفكرية في العراق
ماجد ابوكلل
تعرف المراكز الفكرية ( Think Tanks ) بانها ( مؤسسات تقوم بالبحوث و الدراسات و تصدر التقارير و التوصيات حول قضايا استراتيجية و سياسات عامة في ميادين مختلفة ) , و اليوم يوجد الالاف من هذه المراكز في كل بلدان العالم تقريبا , ولكن اغلب الدراسات تشير الى ان الدور الحقيقي لهذه المؤسسات بدأ في الولايات المتحدة الامريكية خلال عقد السبعينيات من القرن المنصرم و تطور بعد ذلك , ومن هناك انتشرت هذه المؤسسات باشكالها المختلفة , ويمكن ان نحصر انواع المراكز الفكرية الموجودة حاليا حسب التقسيم التالي :
نلاحظ ان هناك عدة انواع من المراكز الفكرية التي تنقسم الى نوعين رئيسين هما الاكاديمية و غير الاكاديمية , فمن المعروف ان المراكز الفكرية الاكاديمية التي تتبع الجامعات تنتهج منهجية مختلفة عن باقي انواع المراكز الفكرية وهذا النوع موجود في اغلب الجامعات في العالم و مهمته الاساسية هو انتاج البحوث الاكاديمية في مختلف المجالات و منها الاستراتيجية و السياسات العامة , يوجد لدينا في العراق عدد من هذه المراكز الفكرية التابعة لجامعة بغداد و لجامعة الكوفة و لغيرها من الجامعات و بالطبع يعمل في هذه المراكز اساتذة متخصصون و اكفاء و لكن لن اركز على هذه المراكز في هذا الموضوع , القسم الثاني من انواع المراكز الفكرية هو غير الاكاديمي و ينقسم كما موضح في الشكل اعلاه الى خمسة انواع رئيسية , الحزبي , الحكومي , الدولي , الاعلامي و المنظمات غير الحكومية , هذه الانواع تتداخل فيما بينها كثيرا بحيث يمكن ان نجد مركز فكري مسجل كمنظمة غير حكومية و لكن عائديته و تمويله يكون من حزب معين بالتالي يعتبر هذا المركز حزبيا.
لنتكلم بصراحة هنا و نقول ان العراق في حالة مقارنته بدول عربية اخرى ( وليس غربية ) من حيث عدد و فاعلية المراكز الفكرية سنجده فقيرا جدا , فبلد صغير مثل قطر لديه عدد من المراكز الفكرية المحلية و الاجنبية اكثر و اكبر من العراق بمرات بسبب سياسة التوطين للجامعات الامريكية العريقة التي انتهجتها حكومة قطر و فتح المجال امام هذه الجامعات و المراكز الفكرية الامريكية لتاسيس فروع لها في قطر لاجراء البحوث و الدراسات عن المنطقة و توفير الدعم و التمويل لها و بالتالي استطاعت حكومة قطر تسخير امكانيات مهمة لدى هذه المراكز الفكرية لخدمة توجهاتها و لتوفير الدعم العلمي و المعرفي الذي يمكنها من وضع سياسات فعالة.
كما لو قارنا وضع المراكز الفكرية في العراق مع مصر على سبيل المثال لوجدنا كذلك ان مصر تملك من هذه المراكز العدد الكبير على العكس من العراق , لنركز في هذه الورقة على المراكز الفكرية التي تم تاسيسها على انها منظمات غير حكومية , لم استطع التوصل لعدد هذه المراكز في العراق على وجه الدقة فمن بين ٢٥٠٠ منظمة غير حكومية مسجلة في العراق
( باستثناء اقليم كردستان ) لم اجد قائمة تحصر عدد المنظمات المتخصصة كمراكز فكرية بل وجدت بعض المنظمات المدرجة ضمن هذا العدد الكبير و بالرجوع الى الترميز الذي وضعته دائرة المنظمات غير الحكومية في الامانة العامة لمجلس الوزراء الذي يحدد اختصاص المنظمة غير الحكومية لم اجد رمز خاص للمراكز الفكرية , بل ان اغلب هذه المنظمات تدرج ضمن نظامها الداخلي فقرة تنص على اجراء دراسات و بحوث و ما الى ذلك , وهذا من الامور التي تحتاج تطوير من قبل الدائرة المذكورة.
اذا يمكن الان توجيه سؤال عن ما تقوم به المراكز الفكرية ( المنظمات غير الحكومية العاملة كمراكز فكرية ) و الاجابة تكون في الشكل الاتي :
بعض المراكز الفكرية تكتفي باجراء البحوث و الدراسات و نشرها و منها المراكز الفكرية الاكاديمية و كما قلت اني لن اركز في هذه الورقة على هذه المراكز , و البعض الاخر من المراكز الفكرية و خصوصا المنظمات غير الحكومية تعمل اكثر من اجراء الدراسات و البحوث و نشرها, لانها تقوم بالنشر كنشاط ضمن عدة انشطة اخرى بمجموع هذه الانشطة تهدف هذه المراكز الفكرية الى التأثير على صناع القرار في السلطات الثلاث في الدولة اما بشكل مباشر او من خلال التأثير على الرأي العام الذي بدروه سوف يؤثر على صناع القرار , و بالطبع فان منظمة واحدة لن تستطيع ان تقوم بالتأثير المطلوب لوحدها لذا عادة تقوم هذه المنظمات ( المراكز الفكرية ) بتشكيل تحالفات للمناصرة و التأييد من جهات متعددة منها وسائل اعلام و مراكز اجتماعية مؤثرة و حتى بعض الشخصيات السياسية المتوافقة مع طروحات هذه المنظمة و عندها يمكن ان نطلق وصف ( مجموعة ضغط ) على هذا التحالف او كما يسمى باللغة الانكليزية ( lobby ) و يمكن ان يكون هذا اللوبي مؤقتا لفترة محددة و لقضية محددة ام غير محدد الفترة بل يرتبط بقضية حية تحتاج للمتابعة.
نحتاج في العراق الى تفعيل المراكز الفكرية باعتبارها مجموعة ضغط و نحتاج الى المراكز الفكرية باعتبارها ( مدرسة ) تتفاعل فيها الاراء و الافكار الاستراتيجية التي تخص السياسات العامة للدولة على مختلف المستويات و بالتالي يمكن ان تكون هذه المراكز الفكرية معين مستمر من العقول الجاهزة و المتابعة و المدربة على ادارة هذه السياسات , و يمكن ملاحظة هذه الوظيفة التي تقوم بها المراكز الفكرية في الولايات المتحدة الامريكية حيث يقوم كل رئيس امريكي جديد بتوظيف اعداد كبيرة من خبراء المراكز الفكرية التابعة لحزبه في مناصب مهمة و بعد انقضاء فترة رئاسته نرى هؤلاء الخبراء بل حتى عدد من الوزراء يعودون للعمل في هذه المراكز الفكرية حيث يبقون على تواصل و اطلاع و تفاعل مع الموضوعات التي يهتمون بها و يبقون على جهوزية عالية للعمل و الخدمة.
لذلك نرى العمل المؤسسي الممنهج في كثير من القضايا المهمة في الدول الغربية و كذلك في بعض الدول المتقدمة االذي يتسم بالثبات و الاستمرارية و عدم التغير السريع بسبب تغير الاشخاص .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق