2011/10/28

الادارة اللامركزية في العراق بعد 2003 نظرة تحليلية



(( الادارة اللامركزية في العراق بعد 2003 نظرة تحليلية))

استعراض تاريخي
عام 1534 احتل العثمانيون العراق في زمن السلطان سليمان القانوني , قسم العثمانيون ( ايالة بغداد) الى سبعة عشر سنجقا ( محافظات) و اقطع سبعة منها الى قواده و اصبحت بغداد (ايالة) كبيرة تتبعها مقاطعات بغداد و الموصل و البصرة و يحكمها والي يعينه السلطان وفي مطلع القرن الثامن عشر انفصلت مقاطعتي الموصل و شهرزور التي كان مركزها كركوك و استقلت فترة ومن ثم تبعتا بغداد.
عام 1865 صدر نظام الولايات الذي الغى اصول ادارة ( الايالات) و قسمت بموجب هذا النظام الدولة العثمانية الى ولايات و الولايه الى سناجق (محافظات) و السناجق الى اقضية و الاقضية الى نواحي , الا ان هذا النظام لم يطبق في العراق الا بعد ولاية مدحت باشا (1869-1872) وهذا هو الاساس الذي يقوم عليه التقسيم الاداري في الوقت الحالي في العراق.
في عام 1877 صدر قانون بلديات ( الايالات ) العثماني وتم بموجب هذا القانون انشاء مجالس محلية في البلديات تقوم بالمنافع و الخدمات المكلفة بها اما القرى فكانت تتولاها السلطة المركزية ولكن هذه التجربة لم تستكمل بسبب تدخلات الوالي و مجلس الولاية .
عند نشوب الحرب العالمية الاولى عام 1914 كان العراق مقسم الى ثلاثة ولايات هي بغداد و البصرة و الموصل , وكل منها مقسم الى ثلاث متصرفيات
بعد احتلال العراق من قبل بريطانيا عام 1917 امتدت ولاية العسكريين حتى عام 1920 بحيث شملت جميع اوجه الحياة , طبقت القوات المحتلة النموذج الهندي في الادارة لان الضباط الانكليز لم يكونوا ملمين بالنظام التركي للادارة .
بعد عام 1921 وقيام الحكم الوطني في العراق جزئيا اعيد النظر بالنظام الاداري على اسس مشابهة تقريبا الى التنظيمات العثمانية.



بعد صدور الدستور العراقي الاول (القانون الاساسي) في 21 اذار 1921 , اشارت المادة (109) منه الى تعيين المناطق الادارية و انواعها و اسماؤها و كيفية تأسيسها و اختصاص موظفيها و ألقابهم بقانون خاص و تأسيسا على ذلك فقد صدر اول تنظيم لادارة الالوية و طبق في 21 تموز 1927.
كما نصت المادة (111) من الدستور العراقي الاول على وجوب صدور قانون ادارة البلديات و بناء على ذلك فقد صدر القانون رقم 84 لسنة 1931. تضمن هذا القانون في المادة الاولى الفقرة (ب) منه تعريف للمجلس البلدي ( هو كل هيئة منصوبة بالانتخاب لاداء الوظائف البلدية المعينة لها بهذا القانون) , ولكن هذا القانون نص على تعيين رؤساء البلديات وعدم انتخابهم من قبل المواطنين كما كان معمول به في زمن الحكم التركي .
استمر العمل بالقانون رقم 84 لسنة 1931 الى حين صدور قانون ادارة البلديات رقم 165 لسنة 1964 .
لم يأخذ المشرع العراقي بالادارة المحلية في اول قانون لادارة الالوية رقم 58 لسنة 1927 و بعبارة اخرى كانت مجالس الالوية عبارة عن هيئات استشارية لا تتمتع بالنظام اللامركزي فلم يكن لها استقلالا ماليا و لا اداريا غير انه بعد صدور قانون ادارة الالوية رقم 16 لسنة 1945 بين المشرع في هذا القانون التنظيم الاداري اللامركزي  و يتضح من النصوص الخاصة بالادارة المحلية التي اعطاها الشخصية المعنوية . فلم يعد ( مجلس اللواء العام) هيئة استشارية مركزية كما كان سابقا وانما هيئة محلية لها شخصية معنوية مسؤولة عن الادارة و تنظيم المسائل و الشؤون المحلية ولقد كان الامر كذلك الا ان من واكب تطبيق هذا القانون يؤكد بان الادارات المحلية لم تزاول اعمالها بوصفها ممثلة للسلطات المحلية الا في نطاق ضيق بعد سنة 1950 .
علي الصعيد المحلي صدر قانون القرى رقم 16 لسنة 1957 الذي نظم شؤون القرية باعتبارها هيئة لها شخصية معنوية يمثلها مجلس القرية يقوم بممارسة اختصاصاتها المنوه عنها في القانون المذكور .
نستطيع ان نستنتج من نصوص هذه القوانين التي صدرت قبل العهد الجمهوري في العراق ان المشرع العراقي في ذلك الزمن اعطى فرصة للمشاركة الشعبية بصورة محدودة في مجالس الادارة المحلية و لكن لاسباب عديدة لم تكن هذه المشاركة فعالة ولم تؤثر حقيقة على القرار الاداري في الوحدات الادارية وقد يكون غياب المؤهلات لدى المواطنين و مقاومة السلطات المعينة من قبل الحكومة المركزية وراء فشل هذه النصوص القانونية في الوصول الى التنفيذ الفعلي لها. ولم تسمح السلطات ان كانت في العهد العثماني او العهد الملكي بعد الاستقلال بتدخل الارادة الشعبية بأي شكل من الاشكال في اختيار رؤساء الوحدات الادارية بل احتفظت بهذا الامتياز للمركز و حاولت من خلال التشريعات المختلفة التي صدرت اشراك المواطنين في ادارة البلديات فقط من خلال مجالس بلدية ذات صلاحيات محدودة و ابقت هذه المجالس تحت سيطرة المسؤولين المعينين مركزيا.
بعد قيام الجمهورية في العراق عام 1958 و الغاء النظام الملكي صدر القانون رقم 36 لسنة 1959 (قانون تعديل قانون ادارة الالوية رقم 16 لسنة 1945) و الذي جمد النصوص التي تنص على انتخاب اعضاء في (مجلس اللواء العام ) و ابقى فقط على الاعضاء المعينين بحكم وظائفهم وهم الاعضاء الدائميين .
وهذا يماشي النزعة المركزية للحكم في ذلك الزمن الذي اتسم بالسمة العسكرية لكون الحاكمين كلهم تقريبا من العسكر. ولكن قانون القرى لم يتم الغائه في ذلك الوقت .
وبعد انقلاب 1968 , صدر قانون جديد بالرقم 159 لسنة 1969 الذي الغى قانون القرى رقم 16 لسنة 1957 و قانون ادارة الالوية رقم 16 لسنة 1945. وقد ورد في الاسباب الموجبة لهذا القانون انه يتبنى مبادئ الادارة اللامركزية و يهدف لتطوير النظم الادارية و تحقيق ديمقراطية الادارة و تعميق مفاهيم السيادة الشعبية التي تقوم على المشاركة الجماهيرية في السلطة عن طريق المجالس المحلية .
هذا القانون شكل مجالس للمحافظات وكذلك للاقضية و للنواحي تتكون من عدد من الاعضاء الدائمين و هم موظفين حكوميين اكتسبوا العضوية بمقتضى وظائفهم و عدد من الاعضاء غير الدائمين و هم اعضاء منتخبون . ولكن على الواقع لم تطبق هذه النصوص ولم يتم انتخاب الاعضاء المشار اليهم في هذا القانون و اقتصرت عضوية مجالس المحافظات على الموظفين الحكوميين فقط.
هذا يؤشر لنا التناقض الذي كانت تعاني منه السلطة في ذلك الوقت بين الاتجاه الدكتاتوري السلطوي و النصوص القانونية الديمقراطية و اللامركزية التي ادرجت في هذا القانون .
عام 1977 صدر قانون اصلاح النظام القانوني الذي قرر وجوب تأسيس مجالس للشعب في كل الوحدات الادارية في العراق وذلك ( للتعبير عن ارادة الشعب و تنمي مبادراته الخلاقة ) وكان من مهمات هذه المجالس مساهمتها في اعداد الخطة الاقتصادية و ميزانية الوحدة الادارية ضمن الخطة الاقتصادية القومية و ميزانية الدولة .
صدر قانون ( مجالس الشعب المحلية ) بالرقم 25 لسنة 1995 و الذي نظم احكام هذه المجالس و طريقة عملها و ايضا شكل هذه المجالس على مستوى المحافظة و القضاء و الناحية من اعضاء دائمين بمقتضى مناصبهم الرسمية و اعضاء منتخبين .
الملاحظ  في القوانين  التي صدرت  بعد عام  1968 ولغاية 2003بخصوص  الحكم المحلي  و رغم  كونها تطورت بالنصوص عن القوانين السابقة لكنها بقيت حبيسة  دكتاتورية  ما يطلق  عليه انذاك ( الحزب القائد) ولم تستطع الارتقاء الى مستوى النصوص التي كتبت بها , فكانت هذه المجالس مجرد اجسام مسكونة بروح واحدة هي روح الحزب المتفرد بالسلطة .
وكما شخصنا الوضع في العهدين العثماني و الملكي فان العهد الجمهوري لم يرتقي بالمشاركة الجماهيرية في الادارة المحلية الى مستوى تمكين المواطنين من انتخاب رؤساء الوحدات الادارية بل اكتفى باصدار قوانين تتيح تشكيل مجالس مختلطة بين الموظفين الحكومين و اعضاء منتخبين اعطاها بعض الصلاحيات المحدودة في النشاطات البلدية و سلم زمام هذه المجالس الى رؤساء الوحدات الادارية المعينين مركزيا.

بعد 9 نيسان 2003
بعد 9 نيسان 2003 و بعد اعلان تشكيل ( سلطة التحالف المؤقتة) و ممارسة الحاكم المدني للعراق مهامه اختلفت توجهات التشريعات التي صدرت بخصوص الادارة المحلية , ظهر هذا الاختلاف جليا و اضحا في القرار رقم 71 الذي صدر عن الحاكم المدني في العراق في 6 نيسان 2004 , لأول مرة في العراق يصدر تشريع يخص عمل الوحدات الادارية يعطي الحق للمواطنين في المشاركة في اختيار مجالس تمثلهم تمارس الاشراف و الرقابة على الدوائر الحكومية في الوحدة الادارية بل و تقوم بانتخاب رئيس الوحدة الادارية نيابة عن الشعب و تلزم الحكومة المركزية بتعيين من تنتخبه هذه المجالس في المركز الذي انتخب له , هذه الفلسفة الجديدة التي بني عليها هذا التشريع شكل ثورة حقيقية في مفاهيم الادارة المحلية في العراق , ولو ان هذا التغيير لم يعد له الاعداد الجيد بل اتى بأسلوب الصدمة فبعد عقود من الحكم المركزي تاتي الصلاحيات فجأة للمواطن العراقي و لمن يمثله و هنا واجهنا التالي :
1-    صياغة النص في القرار رقم 71 غريبة بعض الشيء عن التشريعات العراقية و ذلك بسبب الصياغة باللغة الانكليزية و من قبل اشخاص اجانب لا يفقهون الاسلوب العراقي في اعداد التشريعات .
2-    لم يكن متوفرا في المحافظات كوادر متمكنة و مؤهلة للقيام بواجبات الادارة المحلية بما يتلائم مع التوجه اللامركزي الجديد بسبب قيام الحكومة المركزية في العهد البائد بتعليم و تدريب و بناء قدرات بشرية كثيرة و كبيرة في مجال الادارة العامة (المركزية ) تركزت في العاصمة بغداد و منها كانت السلطة المركزية تعين المحافظين و باقي الرئاسات الادارية المحلية في مختلف التشكيلات الادارية في عموم العراق وتشرف عليهم بشكل مباشر .
3-    نتيجة سياسة النظام البائد المتصفة بعدم التوازن في اختيار رؤساء الوحدات الادارية و عدم مشاركة المواطنين في اختيارهم او مشاركتهم في الادارة العامة لمدنهم بطريقة رسمية انتج كل ذلك فقر في القدرات البشرية المتمكنة علميا و عمليا من الادارة العامة في اغلب المدن و المناطق.
4-    ولدت المركزية الشديدة في النظام البائد و عدم اشراك المواطنين في الادارة المحلية فجوة كبيرة بين الادارة و المواطنين , و كانت النظرة السائدة لدى المواطنين تجاه الادارة المحلية انها سلطة عليا يجب احترامها بل و الخوف منها مهما كانت قراراتها سيئة او جيدة و لم يفكر احد منهم بأن لهم الحق في مراجعة او مناقشة هذه السلطة في القرارات التي تتخذها. و لكن فجأة يطلب من المواطن التقدم لتقييم و اختيار الادارة المحلية وهو لم يمارس هذه التجربة من قبل و لا يعرف كيفية القيام بذلك.
5-    كانت كل القوانين الخاصة بتنظيم عمل الوزارات في العراق تصدر وفقا لفلسفة و روح الحكم المركزي والتي لم تؤشر بأي حال من الاحوال اي اعتراف او دور للادارة اللامركزية في عمل هذه الوزارات او اي اعتراف بدور للمواطن او رأي في عمل هذه الوزارات و تشكيلاتها المختلفة, ولد هذا ازدواج في التشريعات اربك عمل الادارة الجديدة التي تعمل وفق مبدا اللامركزية الادارية و عليها التعامل مع وزارات تعمل وفق المركزية الادارية.
6-    في كل المناطق تم تعيين المجالس المحلية و مجلس المحافظة بطريقة التزكية او بطريقة انتخاب النخبة ولم يجري انتخاب حقيقي للمجالس المحلية بسبب الوضع الاستثنائي الذي كان يمر به البلد.
مارست السلطات المحلية العراقية الجديدة واجباتها رغم المأخذ الكثيرة و الصعاب و المشاكل التي كانت تعترض طريقها و كذلك رغم استهداف الكثير من اعضاء المجالس المحلية و مجالس المحافظات من قبل الارهاب و اذا اردنا ان نقييم هذه الفترة اي الممتدة من 9 نيسان 2003 الى انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في شهر كانون الثاني 2009 بعد صدور القانون رقم 21 لسنة 2008 فلا يسعنا الا ان نقول انها فترة استثنائية بمعنى الكلمة و انها لا تعطينا صورة حقيقة عن نجاح او فشل التحول نحو الادارة اللامركزية في العراق .
دستور العراق 2005
مثل اقرار الدستور العراقي الحالي عام 2005 نقلة نوعية باتجاه اعتماد الادارة اللامركزية فقد تضمن الدستور مواد نصت صراحة على هذا المبدأ :
الفصل الثاني
[ المحافظات التي لم تنتظم في اقليم ]

المادة ( 122 ) :
اولاً :ـ تتكون المحافظات من عددٍ من الأقضية والنواحي والقرى.
ثانياً :ـ تمنح المحافظات التي لم تنتظم في اقليم الصلاحيات الادارية والمالية الواسعة، بما يمكنها من ادارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الادارية، وينظم ذلك بقانون.
ثالثاً :ـ يُعد المحافظ الذي ينتخبه مجلس المحافظة، الرئيس التنفيذي الاعلى في المحافظة، لممارسة صلاحياته المخول بها من قبل المجلس.
رابعاً :ـ ينظم بقانونٍ، انتخاب مجلس المحافظة، والمحافظ، وصلاحياتهما.
خامساً :ـ لا يخضع مجلس المحافظة لسيطرة أو اشراف اية وزارة او اية جهة غير مرتبطة بوزارة، وله ماليةٌ مستقلة.
نلاحظ ان المشرع في هذا النص الدستوري ثبت التشكيلات الادارية كما هي من حيث المحافظة و القضاء و الناحية كما كانت في العهد العثماني ولم يغيرها و اشار في الفقرة ثانيا من هذه المادة الدستورية الى اللامركزية و وجوب اعتمادها في الادارة المحلية.
مثلت نصوص الدستور العراقي تقدما كبيرا باتجاه الادارة اللامركزية ولكن الكثير من هذه النصوص لم تكن حاسمة و واضحة بل جاءت غامضة تسمح باكثر من تفسير و اكثر من دلالة مما خلق نوع من التنازع و الارباك لدى السلطات المحلية من جهة و الوزارات الاتحادية من جهة اخرى مثل المواد الدستورية التي جعلت من بعض الاختصاصات مشتركة بين المركز و الاقاليم و المحافظات غير المنتظمة في اقليم كما نصت عليه المادة 112 من الدستور حول النفط و الغاز و المادة 113 حول الاثار و المادة 114 التي حددت الاختصاصات المشتركة بين الحكومات المركزية و الاقليمية و المحافظات , اشارت المادة 115 من الدستور على ان :
(كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم، تكون الاولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، في حالة الخلاف بينهما)
و لكن كيف للمحافظات ان تنتزع حقوقها التي نصت عليها هذه المادة من الحكومة المركزية و هي الاقوى و الاقدر بكل المقاييس ان تحجم من صلاحيات المحافظات , اعتقد كان من الاجدر و الافضل ان ينتبه المشرع الى هذه النقاط و يقوم بتحديد الاختصاصات الحصرية للحكومة المركزية و يترك باقي الاختصاصات لحكومات الاقاليم و المحافظات غير المنتظمة في اقليم و يثبت الوزارات الاتحادية اسما و اختصاصا ويلغي باقي الوزارات حتى تكون الحكومة الاتحادية المركزية اصغر و اكثر رشاقة و قدرة و تركيزا في اداء عملها ضمن اختصاصاتها الحصرية و لا ينشأ اي تنازع او اختلاف مع الحكومات المحلية كما يجري اليوم بسبب هذه النصوص الدستورية المتداخلة.

القانون رقم 21 لسنة 2008
 بعد نفاذ الدستور العراقي الجديد في كانون الثاني 2005 لم يستطع مجلس النواب العراقي اصدار قانون ينظم عمل المحافظات الا في 19 آذار 2008 مع اهمية هذا القانون و ضرورة وجوده لتنظيم عمل المحافظات كما نص عليه الدستور العراقي .
الغى هذا القانون امر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 71 و كذلك الغى جملة من القوانين الاخرى التي نظمت عمل المحافظات سابقا , ولكن للاسف فأن هذا القانون لم يرتقي بنصوصه الى المستوى الذي يجاري فيه النصوص الدستورية بل جاء هذا القانون ليحجم و يقلل الكثير من الصلاحيات التي منحها الدستور للمحافظات , على سبيل المثال المادة 2 من القانون تنص على التالي :
الباب الأول
المجالس وإجراءات تكوينها
المادة (2)
أولاً: مجلس المحافظة هو أعلى سلطة تشريعية ورقابية ضمن الحدود الإدارية للمحافظة لها حق إصدار التشريعات المحلية في حدود المحافظة بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية.
ثانياً:يخضع مجلس المحافظة والمجالس المحلية لرقابة مجلس النواب.
نلاحظ في هذه المادة الفقرة الاولى منها النص على ان مجالس المحافظات لها الحق باصدار تشريعات محلية بشرط عدم تعارضها مع الدستور و هذا حق و لكن عدم تعارضها مع القوانين الاتحادية هذا غير دستوري لان الدستور في المادة 115 منه نص على التالي :
المادة (115):
    كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم، تكون الاولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، في حالة الخلاف بينهما.
وهذا التضارب من الامور التي اشرنا لها سابقا و قلنا انها تؤدي الى الارباك و التنازع في الصلاحيات بين المركز و الحكومة المحلية و لو كان المشرع حدد اختصاصات المركز و ترك باقي الاختصاصات للحكومات المحلية و اعادة تقييم القوانين الاتحادية من هذا المنطلق لكان افضل و اصح .
لن نناقش القانون رقم 21 اكثر من ذلك بل سنترك الامر عند هذا الحد و ننتقل الى مناقشة اداء الحكومات المحلية بعد صدور هذا القانون و نحلل هذا الاداء لتحديد نقاط القوة و الضعف و الاقتراحات التي نراها مناسبة لتطوير عمل الإدارات المحلية في المحافظات و ما يتطلبه هذا التطوير من تعديل على التشريعات النافذة.
سنأخذ الحكومة المحلية في محافظة المثنى كعينة تمت دراستها من قبل منتدى المنظمات غير الحكومية في محافظة المثنى و قد صدر تقرير يقييم عمل المجلس يوم 19 ايلول 2011 و نحن اذ نركز على مجلس المحافظة و ليس على المحافظة لكون هذا التشكيل حديث و لكونه يمثل الجهة التشريعية و الرقابية الاعلى في المحافظة المعتمد في عمله على مبدأ اللامركزية الادارية وفيما يلي نقاط التقييم المذكور اعلاه :

1-    مجلس المحافظة الجهة التشريعية و الرقابية الاعلى في المحافظة , و يمثل مجلس المحافظة (برلمان) المحافظة الذي تشكل اغلبيته الحكومة ( السلطة التنفيذية ) الممثلة في المحافظ . لكن لو عدنا الى فترة الانتخابات لمجلس المحافظة عام 2009 لوجدنا ان الكيانات السياسية لم تقدم اي تعهدات او برامج عمل لفترة ما بعد الانتخابات يمكن تثبيتها و مراقبة التزام هذه الكيانات بها بعد الفوز و استلام السلطة , ولم نلاحظ اي مطالبات بهكذا برامج من عموم الناخبين , وهذا يدل على قلة الوعي الديمقراطي لدى الناخب , بالنتيجة لا توجد برامج معلنة يمكن الرجوع حاليا لها و مقارنتها باداء الكتل السياسية في مجلس المحافظة , وهذا نقص كبير في الثقافة الانتخابية لدى المواطن يجب العمل على معالجته من خلال الندوات و الورش التوعوية .
2-    بعد الانتخابات لاحظنا طول الفترة الزمنية التي استغرقها مجلس المحافظة في انتخاب محافظ وهذا نتيجة للخطأ الجسيم الذي وقعت به مفوضية الانتخابات عندما حددت عدد مقاعد المجلس ب (26) وهذا عدد زوجي يمكن بسهولة كبيرة ان ينتج عنه كتلتين متعادلتين عدديا في المجلس تسبب حالة من الشلل وهذا ما حدث فعلا و كان الاجدر بالمشرع العراقي و بمفوضية الانتخابات التحسب لهذا الوضع و اضافة مقعد حتى يكون عدد المقاعد فرديا.
3-    لم يستطع مجلس المحافظة مجتمعا او اي كتلة سياسية فيه منفردة بلورة رؤية واضحة لواقع المحافظة و لمستقبلها , ولم نرى اي اعلان عن هكذا رؤية وهذا فشل خطير في اداء مجلس المحافظة الجهة القيادية العليا المنوط بها قيادة المحافظة لمدة اربع سنوات و تسخير كل طاقاتها لخدمة المواطن .
4-    لم يعلن مجلس المحافظة اي استراتيجيات يمكن ان توضح الحلول التي يراها المجلس مناسبة للمشاكل التي تعاني منها المحافظة وكذلك لم يطالب المجلس السطلة التنفيذية ممثلة بالمحافظ بأي خطط إستراتيجية واضحة و مؤطرة زمنيا لمعالجة المشاكل المزمنة في المحافظة مثل الفقر و البطالة و غيرها.
5-    بسبب انقسام المجلس الى كتلتين متساويتين عدديا ولفترة طويلة حصلت حالة من الارباك في عمل المجلس و في عمل السلطة التنفيذية في المحافظة واستمرت هذه الحالة فترة طويلة و بعد تشكيل الكتلة الاكبر قبل اشهر قليلة لم يطرأ تحسن يذكر بل عاد المجلس الى حالة التلكؤ و الارباك و توقف عن عقد الجلسات الاعتيادية لعدة اسابيع خلال شهر رمضان و ما بعده , وهذا كله يؤدي الى ضياع موارد كبيرة و جهود كان يجب بذلها في خدمة المواطن و تطوير المحافظة.
6-    عانى مجلس محافظة المثنى مثل باقي مجالس المحافظات في العراق من التداخل في الصلاحيات و المسؤوليات بين السلطة المحلية في المحافظة و السلطة المركزية ممثل في الوزارات الاتحادية وهذه نتيجة طبيعية و متوقعة لكون قوانين الوزارات الاتحادية في اغلبها صدرت خلال فترة النظام السابق الذي كان يعتمد الادارة المركزية و لم يجري تعديلها لتواكب التطورات في الادارة اللامركزية التي اعتمدت بعد عام 2003 , بل و حتى قوانين الوزارات الاتحادية التي صدرت بعد 2003 لم تراع التوجه اللامركزي الجدي في الادارة الحكومية بسبب ( مقاومة) الوزارات الاتحادية لحركة المحافظات في ممارسة صلاحيتها القانونية, وقد يكون ضعف قدرات مجالس المحافظات و عدم وجود خبرات مؤهلة تساعد على انتقال سلس من مرحلة المركزية الادارية الى مرحلة اللامركزية ولد لدى الوزارات الاتحادية هذا التهميش و محاولة تحجيم سلطات المحافظات.
7-    اتسم عمل مجلس المحافظة بضعف التخطيط و عدم وجود خطة تشريعية واضحة و محددة زمنيا وهذا ولد استعجال غير مبرر في بعض التشريعات او تاخير غير مبرر في اخرى اثر بشكل سلبي على ممارسة المجلس لمهامه التشريعية.
8-    لم يستطع المجلس تنشيط المشاركة الشعبية في عمله التشريعي خصوصا في اعتماد المشاريع و تخصيصها , بل اكتفى المجلس بنفسه ولم يجري اي مسوحات لبيان رأي المواطن في اولوية التخصيص للمشاريع.
9-    لاحظنا تدخل غير مدروس من قبل بعض اعضاء المجلس في اعتماد المشاريع و اقتراحها و ادراجها في موازنة المحافظة علما ان هذه من مسؤوليات السلطة التنفيذية وليس من مسؤولية مجلس المحافظة و يمكن لمجلس المحافظة مناقشة هذه المشاريع بعد احالتها عليه من قبل المحافظ وابداء الرأي فيها , وهذا سبب ارباك واضح بعد اقرار هذه المشاريع و بشكل مستعجل ثم اضطرار الدائرة المعنية بعد ذلك الى اجراء دراسة للمشروع و الخروج بنتيجة وهي ان التمويل المخصص غير كافي و الطلب من المجلس زيادة كلفة المشروع وهذه الحالة حصلت اكثر من مرة ولو كانت هذه المشاريع قد اقترحت حسب السياق الاداري الصحيح و خضعت قبل اقرارها الى دراسة كافية لما كان هناك حاجة لطلب زيادة الكلفة.
10-                       لم يكن هناك تدفق صحيح للبيانات و المعلومات بين السلطة التنفيذية ممثلة بالمحافظة و السلطة التشريعية و الرقابية ممثلة بمجلس المحافظة و كثيرا ما لاحظنا نقص بالمعلومات فيما يخص عمل المحافظة و احالة المشاريع و الطلب المتكرر من قبل اعضاء مجلس المحافظة لمعلومات من دوائر المحافظة و هذا الفشل في تحقيق شفافية انتقال البيانات يولد ضعف في الوظيفة الرقابية و الاشرافية للمجلس.
11-                       حافظ معظم اعضاء مجلس المحافظة على ميزة سهولة اللقاء بهم من قبل المواطنين ان كان في مقر عملهم او في بيوتهم وهذا سهل التواصل الفردي بين الاعضاء و الجماهير.
12-                       قام مجلس المحافظة بعدد من المبادرات الانسانية من خلال تخصيص مبالغ مالية بحدود خمسة ملايين دينار الى عدد محدود من المواطنين الذين تعرضوا الى حوادث مختلفة من باب الدعم المادي لهم وهذه مبادرة جيدة من المجلس , وقد استفاد المجلس من المبالغ المالية التي دفعت من قبل المواطنين الذين تقدموا بطلبات شراء سيارات بالتقسيط من الشركة العامة لتجارة السيارات .
13-                       لم ينجح مجلس المحافظة بتحقيق الانفتاح الاعلامي على الجماهير وهذا سبب غموض في نشر فعاليات المجلس المختلفة و قراراته و كان الافضل للمجلس لو قام ببث جلساته الاعتيادية من خلال تلفزيون المثنى الارضي او تأسيس قناة فضائية كما فعلت الكثير من المحافظات العراقية.
14-                       فشل مجلس المحافظة في توجيه الموازنة الاستثمارية للمحافظة لتنشيط القطاع الزراعي او الصناعي , و بالرغم من كون محافظتنا توصف بانها زراعية و اكثر مواطنيها يمتهنون الزراعة ولا يجيدون غيرها فان تخصيصات القطاع الزراعي في خطة مشاريع هذا العام قليلة جدا , و بالنسبة للقطاع الصناعي لا توجد اي مشاريع صناعية قامت بتأسيسها الادارة المحلية و تم توجيه معظم الموازنة المالية الاستثمارية الى مشاريع بسيطة لا تؤثر في الواقع الاقتصادي المتردي للمحافظة.
15-                       فشل مجلس المحافظة بممارسة دوره الرقابي على المشاريع التي تنفذها الدوائر الحكومية بسبب عدم اعتماد معايير صحيحة للجودة و بسبب قلة الكادر و عدم التأهيل الكافي لاعضاء المجلس وعدم المحاسبة الجدية لمدراء الدوائر التنفيذية التي تفشل في اداء عملها وخصوصا في تنفيذ المشاريع المختلفة الممولة من الخزينة العامة للدولة و بالتالي ادى هذا الفشل الى هدر مبالغ ضخمة من المالية العامة على مشاريع بنية تحتية سيئة التخطيط و التنفيذ سرعان ما تحتاج الى صيانة و صرف مبالغ اخرى و هكذا فقدت الادارة المحلية الكثير من ثقة المواطن .

( انتهى)
هذه اجزاء من التقرير نستطيع ان نستفيد منها الكثير و قد كان التشخيص دقيقا عندما ذكر ان المواطنين انفسهم لم يكونوا متمكنين من طرق تقييم و اختيار المرشحين و لم يطالبوا المرشحين ببرامج تبين خططهم المستقبلية التي سوف ينفذونها فيما لو فازوا في الانتخابات و هذا الخطأ الاول و الخطأ القاتل حقيقة لان هذه البرامج هي التزام بين المرشح و الناخب او بين الكيان السياسي الذي رشح المرشح و عموم الناخبين و من خلال النقاش الذي كان يمكن حدوثه في حلقات النقاش كان يمكن استكشاف صدقية هذه البرامج و امكانيات المرشح او الكيان للتنفيذ و كذلك يمكن من خلال هذه المناقشات استبيان مدى استيعاب ابعاد المشاكل التي يعاني منها المواطنين و هل المرشحين على اطلاع تام بها و لديهم الحلول المكنة ام هم مجرد اشخاص يحاولون الوصول الى المناصب السياسية بأي وسيلة كانت لغرض خدمة اهدافهم الشخصية و اهداف كياناتهم السياسية .
التحليل الذي قدمه منتدى المنظمات انطلق من اسس علمية متبعه في ادارة الاجهزة القيادية التي يمثل مجلس المحافظة واحدا منها , فهذا الجهاز الرسمي ليس دائرة حكومية خدمية بسيطة بل هو اعلى جهاز تخطيطي في المحافظة و من خلال الفلسفة التي يؤمن بها اغلبية اعضائه و الرؤى التي يحملونها يمكنهم صياغة الخطط و البرامج لمدة اربع سنوات او اكثر لعلاج المشاكل الملحة التي تواجه المحافظة .
اعتقد ان اغلب مجالس المحافظات في العراق تعاني من نفس المشاكل التي اشار لها التقرير اعلاه و هذا ولد لدى الكثير من المواطنين احباط كبير تجاه هذا الجهاز الحكومي المهم و وصل هذا الاحباط حد مطالبة الكثيرين بالغاء مجالس المحافظات و الغاء المجالس المحلية , هذه المطالبة غير المنطقية و التي تنطلق كما قلنا من الشعور بالاحباط نتيجة الاداء غير المرضي الذي اتسمت به كل المجالس المحلية و مجالس المحافظات تقريبا في العراق تجاهلت هذه المطالبة قواعد تنظيم العمل الرسمي في دولة تتصف بالديمقراطية و تتبع مبدأ فصل السلطات فلا يمكن بأي حال من الاحوال ان اقو لان العراق دولة ديمقراطية تتبع النظام اللامركزي في الادارة المحلية و الغي السلطة التشريعية و الرقابية على مستوى المحافظة فهذا يولد خلل كبير فمن الذي يتحمل مسؤولية اختيار المحافظ و هو يمثل رئيس السلطة التنفيذية في المحافظة و من يراقب و يقيم عمله , هذا الاجراء لو تم فيعني ببساطة ضرب الدستور و العودة الى الحكم المركزي الذي يتعارض مع الديمقراطية .
ارى ان النقاش يجب ان يأخذ مسار اخر بعيد عن الغاء اللامركزية و بعيد عن المطالبة بالغاء مجالس المحافظات و المجالس المحلية بل يجب ان يكون النقاش مركزا حول سبب الفشل الذي اتسم به اداء هذه المجالس حتى الان على ان يهدف النقاش الى تطوير التشريعات على مختلف المستويات بما نعتقد انه يساهم في النهاية في تفعيل و تنشيط هذه المجالس لتقديم الخدمات المتوقعة منها للمواطن العراقي .
اذا لنحدد الاخطاء التي صاحبت تطبيق اللامركزية في العراق ابتدأ من التشريعات الدستورية ومن ثم القانونية و من ثم التطبيق لهذه التشريعات و الطريقة التي تعاملت بها الكيانات السياسية مع هذه التشريعات و المقترحات التي نجدها مناسبة لمعالجة هذه الاخطاء :
1-    النصوص الدستورية التي تحدثت عن الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية و حكومات الاقاليم و المحافظات كانت غير واضحة و تداخل فيها المفهوم الاتحادي مع مفهوم اللامركزية الادارية , فكما هو معروف قانونيا ان هناك فرق بين صلاحيات اقليم اتحادي و صلاحيات محافظة غير تابعة لاقليم و تعمل باللامركزية الادارية و لكن الدستور العراقي خلط بين الاقليم و المحافظة في مواده وهذا يحتاج الى مراجعة و تنقيح بحيث تخرج هذه المواد واضحة المعالم .
2-    المراجعة يجب ان تشمل تحديد اختصاصات الحكومة الاتحادية و ترك باقي الاختصاصات الى الاقليم وهذا يدعونا هنا الى الخروج من التصور القومي او المذهبي لقضية تشكيل الاقاليم و التركيز على القضية الادارية و الفوائد المتحققة في حالة انشاء اقاليم جديدة في العراق تساعد الحكومة الاتحادية في التركيز على ادارة ملفات مهمة كبرى مثل الدفاع و الامن الوطني و المالية و البيئة و النقل و الموارد المائية و الاقتصاد القومي و ترك باقي الملفات الى حكومات الاقاليم تعمل عليها لانها تتصف بالخصوصية الجغرافية مثل ملفات الخدمات و التعليم و الزراعة و الصحة و غيرها.
3-    ان التنازع و التخاصم السياسي الذي نراه جليا واضحا في الحكومة الاتحادية و ( ابتكار) وزارات اتحادية كثيرة لترضية الاطراف السياسية المختلفة يؤدي الى تفريغ مبدأ اللامركزية الادارية من محتواه لكون هذا الكم الهائل من الوزارات و الوزراء سوف يطالبون بصلاحيات هي بالحقيقة ليست لهم بل للاقاليم و المحافظات , الغاء هذه الوزارات في حالة تحديد اختصاصات الحكومة الاتحادية سوف يجبر الكيانات السياسية على الالتزام بعدد محدد من الوزارات قد لا يتجاوز العشرة او اقل بما يقابل الاختصاصات الحصرية لها و يحول اهتمام الكيانات السياسية الى الاقاليم و المحافظات التي يمثلون اغلبية فيها .
4-    كان من الخطأ في ان ينص في الدستور العراقي على ان العراق يتكون من اقاليم و محافظات و اقضية و نواحي , لان التقسيم الاداري الثلاثي المتكون من المحافظة و القضاء و الناحية استهلك فائدته و لم يعد يجاري الواقع الحالي فكما ذكرنا سابقا هذا التقسيم اعتمد من عقود طويلة من قبل الدولة العثمانية عندما كانت تحتل العراق , الافضل اداريا ان يكون التقسيم هو التالي:

الاقليم , المحافظة , الوحدة الادارية الاصغر ( قد تسمى البلدية او المدينة او اي تسمية اخرى) , هذا التقسيم هو شبيه للتقسيم المعتمد في فرنسا.
في العراق اقترح تطبيق هذا التقسيم مع اضافة ميزات اخرى تتطلبها اللامركزية و الفيدرالية , فالاقليم يضم عدة محافظات و يكون له برلمان منتخب و حكومة تنبثق من ذلك البرلمان , و المحافظة هي نفس المحافظات الموجودة حاليا و لكن قبل ان نخوض في شكل سلطاتها التشريعية و التنفيذية ننتقل الى الوحدة الادارية الاصغر, وهي الوحدة الادارية التي سوف تعوض مكان القضاء و الناحية في التقسيم الاداري الحالي , وهو مقترح للكثير من المتخصصين و لاسباب علمية.
هذه الوحدة الادارية الاساسية لها مجلس محلي منتخب يعين رئيس الوحدة الادارية بريقة التصويت , وهذا المجلس المحلي سيكون هو المسؤول الاول امام الجماهير عن قيام السلطة التنفيذية في الوحدة الادارية باداء واجباتها بافضل حال و كذلك سيكون هو المسؤول الاول عن التخطيط على مستوى الوحدة الادارية و هذا مهم جدا لان الحاصل اليوم ان المجالس المحلية على مستوى القضاء و الناحية اقصيت فعليا عن تحمل هذه المسؤولية و الذي اقصاها هو مجلس المحافظة بسبب الصلاحيات التي منحت له بالقانون رقم 21 لسنة 2008 في تعديل الخطط المرفوعة له من المجالس المحلية عن طريق السلطة التنفيذية و بالتالي ترك المجالس المحلية تواجه سخط الشارع بسبب اي فشل في تقديم الخدمات بشكل مباشر بحكم قرب هذه المجالس من الشارع و البعد النسبي لمجلس المحافظة عن الشارع , لذلك اقترح ان يشكل مجلس المحافظة في التقسيم الجديد


من ممثلين عن المجالس المحلية في المحافظة تختارهم المجالس المحلية من بين اعضائها ليكونوا و حسب عدد سكان كل وحدة ادارية صغرى وهؤلاء الاعضاء بمجملهم يكونون مجلس المحافظة بشرط ان لا يتقاضون اي مبالغ مالية تزيد عن ما يتقاضاه اقرانهم في المجالس المحلية و يحضرون اجتماعات المجلسين ( مجلس المحافظة و المجلس المحلي ) لكي يتم الربط بين عمل المجلسين و لا يتخذون اي قرار الا بعد مراجعة زملائهم في المجلس المحلي و يمكن للمجلس المحلي استبدال اي عضو يمثله في مجلس المحافظة في اي وقت يشاء.
وهكذا لا نعد بحاجة الى اجراء انتخابات لمجالس المحافظات بل نكتفي بانتخابات المجالس المحلية للوحدات الادارية الاصغر , و تبقى صلاحيات مجالس المحافظات كما هي تمارسها مجالس المحافظات حسب الترتيب الجديد , حينها سيكون المجلس المحلي هو الركيزة الاساسية في عمل اللامركزية الادارية و هو صاحب الصلاحية الحقيقي و عليه المسؤولية الكبرى تجاه المواطن و سوف تختفي الازدواجية في الصلاحيات و المسؤوليات داخل المحافظات بين مجلس المحافظة المنتخب و المجالس المحلية المنتخبة ايضا و الصراع بين اعضاء المجلسين و نوفر مبالغ كبيرة للدولة تصرف كرواتب و مخصصات لاعضاء مجالس المحافظات.
5-    لاحظنا و لاحظ الكثيرين ان مؤهلات اعضاء المجالس ان كانت مجلس المحافظة او المجلس المحلي ليست على المستوى المطلوب و هذا سبب كثير من المشاكل و قد يكون السبب هو اهتمام الكيانات السياسية بالولاء الحزبي و تقديمه على الكفأة و المؤهلات العلمية و العملية و من جهة اخرى عدم اهتمام الناخبين بمؤهلات المرشحين بسبب نقص الثقافة الانتخابية لدى المقترع و عدم توعيته بها , لذا لا بد من فرض شروط يجب توفرها في المرشح لعضوية المجالس ان كان مجلس اتحادي او مجلس محلي و كذلك شروط و خصوصا المجالس المحلية ما دامت هي موضوع البحث و هذه الشروط هي التالية :
·        من حيث الشهادة الدراسية لا بد من اشتراط الحصول على الشهادة الجامعية الاولية ممثلة بالبكالوريوس ومن جامعة معترف بها رسميا في العراق , و يفضل من اختصاص قريب من الادارة و الاقتصاد او القانون او السياسة .
·        من حيث العمر , ارى ان العمر مهم جدا و ان كان البعض يرى ان يسمح للشباب دون 30 عام بالترشح ولكني اخالفه الرأي لان الوظيفة العامة تحتاج الى خبرات و كياسة لا تكتسب بسهولة و بسرعة لذا ارى العمر بين 30 و 35 عمر مناسب للترشح.
·        من حيث الخبرات , سيعتمد عمل عضو المجلس المحلي بشكل كبير على قدرته في التخطيط لذا يجب ان يكون المرشح لديه قدرة لتخطيط حياته ابتدأ حتى يمكن له ان يكون قادرا على تخطيط حياة الشعب , لذا ارى من المهم فرض شرط يجبر المرشح على ان يكون واعيا قبل عدة سنوات لما يريد ان كان يرغب في العمل العام و الاتجاه الى هذا الميدان قبل الترشح بما لا يقل عن 4 – 5 سنوات وذلك من خلال ممارسة نشاطه السياسي العام و الموثق من خلال كيان سياسي او من خلال منظمة غير حكومية تهتم بالشأن العام , حتى اذا اراد الترشح يكون لديه خلفية عن مشاكل الناس و اولوية العمل لحلها وليس كما يجري حاليا عندما تحل علينا الانتخابات ترى الكيانات السياسية تختار اشخاص ليس لديهم اي معرفة بالعمل العام و تزجهم كمرشحين لاسباب عشائرية او شخصية و يتم التركيز على رئيس الكيان السياسي و سمعة و شعارات الكيان السياسي و المحصلة تكون اعضاء ضعفاء و غير قادرين على خدمة المواطن.
·        ارى ان تطلب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من كل مرشح شهادة نجاح في دورة متخصصة في الادارة العامة و التشريع تجريها جهة اكاديمية رسمية عراقية لمدة معقولة و وفقا لمنهج علمي يعتد به حتى يكون هذا المرشح قادرا في المستقبل للتعامل مع الكم الكبير من التشريعات و الاجراءات الادارية للمؤسسة الرسمية العراقية ولا يبقى فترة من الزمن يتعلم من خلال العمل قد يرتكب خلال هذه الفترة اخطاء تكلف الشعب اموال او وقت ثمين.
·        المراحل التي مرت بها الانتخابات في العراق , انتخابات الدائرة الواحدة و القائمة المغلقة ثم الدوائر المتعددة و القوائم المختلطة بين المغلقة و المفتوحة , لا بد الان من الوصول الى الدوائر المتعددة على مستوى المقعد الواحد اي يكون لكل مقعد دائرة يتنافس فيها المرشحين من اهالي هذه الدائرة على الفوز بثقة المواطنين , وهذا النظام هو الاقرب الى العدالة و التمثيل الحقيقي للناخبين.
·        الكوتا النسائية لم تثبت كفأة في اختيار مرشحات من النساء , و الابقاء عليها نوع من ضياع الجهد و تقليل من شأن المبادئ الديمقراطية , ولدينا نساء ناشطات استطعن الحصول على اصوات اعلى من الكثير من المرشحين الرجال و استطعن الوصول الى المجالس بدون الكوتا النسائية لذا ارى من الافضل الغاء هذه الكوتا على الاقل على المستوى المحلي .


هذه المقترحات التي اعتقد ان تطبيقها يمكن ان يؤدي الى تطوير الادارة اللامركزية في العراق و تجاوز اخطاء المرحلة الحالية .




2011/08/26

السلطة التشريعية ....عقل الامة 6

عمل النواب 
السلطة التشريعية في حقيقتها عبارة عن عدد من النواب الذين انتخبهم الشعب , وفي الانظمة الديمقراطية البرلمانية يكون تشكيل الحكومة من قبل الاكثرية البرلمانية و هذه الحكومة ستكون مستمرة باداء اعمالها ما دامت هناك اكثرية برلمانية تدعمها .
وهكذا فأن الاحزاب السياسية التي تدخل الانتخابات البرلمانية امامها طريقين اما ان تدخل الانتخابات منفردة وهي تشعر بقدرتها على تحقيق الاغلبية في البرلمان و بالتالي فان الحزب السياسي يعلن منذ البداية اسم مرشحه لرئاسة الوزراء و تشكيلته الوزارية , او يشكل الحزب ائتلاف سياسي مع باقي الاحزاب القريبة منه و يوزع المناصب الحكومية قبل الانتخابات و يخرج على الناخبين بتشكيلة متكاملة قبل الانتخابات وهذا يجري في بريطانيا على سبيل المثال , اما الطريق الثاني فهو دخول الحزب الانتخابات منفردا و هو على يقين بعدم قدرته على تحقيق الفوز منفردا و بعد الانتخابات و اعلان النتائج تجري مفاوضات بين الاحزاب لتشكيل حكومة ائتلافية .
القاعدة التي يرجع لها في الانظمة الديمقراطية هي ( حكم الاغلبية) و بالتالي يكفي اتفاق نصف + 1 من عدد النواب في البرلمان لتشكيل الحكومة وهذه القاعدة المغيبة في النظام الديمقراطي العراقي و حل محلها ابتكار عراقي فريد هو (حكومة التوافق) اي ان يكون لكل الكيانات السياسية الممثلة في البرلمان حصة في الحكومة وهذا نظام شاذ لا يوجد له مثيل في العالم اليوم وهو نظام يحمل في احشائه بذور الفشل الذي يتعاظم كل يوم من ايام هذا الحكومة التوافقية .
فلو اردنا ان نرى ديمقراطية فعالة في العراق لا بد من الاحزاب السياسية ان تعلن و قبل فترة كافية من الانتخابات البرلمانية عن تشكيل ائتلافات تضم كافة الالوان العراقية السياسية و تحدد المرشحين للمناصب الكبرى حتى نتخلص من التصارع على هذه المراكز بعد الانتخابات مما يطول من فترة تشكيل الحكومة , كما ان تفعيل قاعدة ( حكومة الاغلبية) سوف يجعل من الديمقراطية العراقية ديمقراطية حقيقية والا فلا يمكن ان يكون في العراق نظام ديمقراطي فعال .
بعد تشكيل البرلمان و تشكيل الاغلبية البرلمانية و فوز حكومة الاغلبية بثقة البرلمان , سيكون هناك واجبين مهمين هما التشريع و الرقابة , ولكن السؤال المهم هو هل يجب ان يكون للاغلبية البرلمانية رؤية واضحة لكي تمارس هذين الواجبين ؟
الاجابة بالتاكيد : نعم , الرؤية و السياسة الواضحة و البرامج الحكومية , كل هذه المباحث المغيبة في الانتخابات البرلمانية العراقية لغاية اليوم فلا الناخبون يسألون عنها ولا الكيانات السياسية تعلنها او تناقشها ولا الاعلام  يركز على هذه المباحث , وكما يقولون الاخوة في مصر ( الذي اوله شرط اخره نور ) للاسف لا توجد شروط على الفائزين فلا يستطيع الشعب بالتالي محاسبة الكيانات الفائزة بشكل موضوعي على وعودهم فهي وعود مطاطة و عامة .
نعود للرؤية ونقول لا بد للكيانات السياسية الديمقراطية من اعلان رؤية واضحة و ترجمتها الى سياسات و برامج تستجيب الى المشاكل العامة على المستويين المحلي و الوطني و الداخلي و الدولي.
اذا بعد اعلان كل ذلك ياتي دور المشرعين في مجلس النواب لترجمة هذه الرؤية و السياسات و البرامج الى قوانين و قرارات تتيح للسلطة التنفيذية العمل بشكل سلس و يمكن للبرلمان بعد ذلك القيام بواجبه الرقابي على مدى التزام السلطة التنفيذية بالقوانين و القرارات التي اصدرها البرلمان و مدى التزام السلطة التنفيذية بروح الرؤية التي اتى بها البرلمان او لنقل الاغلبية البرلمانية الحاكمة.
من اهم مستلزمات نجاح السلطة التشريعية في اداء واجباتها هو تحقق  تدفق المعلومات و البيانات الخاصة بعمل السلطة التنفيذية بشكل كامل الى اعضاء السلطة التشريعية و بدون اعاقة من قبل اي جهة كانت لان اي اعاقة تمثل محاولة لاخفاء معلومات عن مخالفة او تجاوز محتمل على القوانين و القرارات و بالتالي اعاقة عمل البرلمان في ممارسة الرقابة وهذا يؤدي الى تقصير في عمله.
من اساليب الرقابة الناجحة هو اسلوب الرقابة من خلال الموازنة , وهذا الاسلوب مبني على ان اي نشاط حكومي لا بد له من التمويل و بالتالي من خلال مراجعة الموازنة الحكومية ( وهي خطة الانفاق المالي للعام القادم) يمكن للبرلمان معرفة عمل السلطة التنفيذية و بالتالي مراقبة انجاز هذه الاعمال على افتراض ان الموازنة قد نالت موافقة السلطة التشريعية , و يمكن مراجعة الانجاز من خلال مراجعة الحسابات المالية الختامية بعد انتهاء العام وهنا نسجل ان وزارة المالية ارتكبت و ترتكب تقصير من خلال عدم ارسال الحسابات الختامية الى البرلمان في الوقت المحدد , كما ان وزارة المالية مقصرة بشكل واضح عندما اوقفت العمل بنظام الادارة المالية الالكتروني ( FIMS ) و الذي انفقت عليه عشرات الملايين من الدولارات و تدرب عليه العشرات من الموظفين و كان بمكن لهذا النظام ان يتيح معلومات مالية فورية للسلطة التشريعية و لكنه اغتيل .
 تعتبر الرقابة المالية من اهم واجبات السلطة التشريعية , ولكن للاسف يعاني اعضاء البرلمان من قلة المؤهلات العلمية و العملية بالنسبة لادارة المال العام .
اتاح الدستور طريقين للسلطة التشريعية لاصدار القوانين اما بمشروع مرسل من الحكومة او مقترح من قبل عدد من النواب , و قد اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارا يمنع تقديم مقترح قانون من النواب اذا لم يحصل على موافقة مسبقة من الحكومة , وهذا القرار هز اسس الديمقراطية و فصل السلطات و هذا القرار من السقطات العديدة التي تعتبر مجاملة من السلطة القضائية للسلطة التنفيذية .
كنا نتوقع من السلطة التشريعية ان تنشط في مراجعة كل التشريعات السابقة و الغاء اي تشريع يخالف الدستور العراقي و التوجه الجديد للدولة العراقية و لكن للاسف الخلافات و الصراعات الهامشية بين الكيانات السياسية ادى الى عدم قيام السلطة التشريعية بهذا الواجب بل و ادى كذلك الى عدم تشريع قوانين مهمة مؤثرة في الاقتصاد العراقي و مؤثرة في الحياة اليومية للمواطن العراقي و عدم تشريعها ادى الة خسارة العراق لوارادات تقدر بالمليارات من الدولارات , ومن الشكوك التي اثيرت هنا ان الكيانات السياسية قد اثرت مصالحها الخاصة و مصالح اصدقائها من دول الجوار على مصلحة العراق العليا و عرقلت عن قصد اقرار قوانين مهمة مثل قانون النفط و الغاز على سبيل المثال.
ان افتقار البرلمان العراقي الى خطة تشريعية معلنة و ثابتة و معلنة ترتب اولويات التشريعات المهمة على ان يحترمها البرلمان و يلتزم بها ادى الى ضعف اداء البرلمان و غياب دوره المهم عن الساحة السياسية .
كذلك ادت طريقة الحكم التوافقي الى عدم وجود معارضة برلمانية حقيقية و واضحة وهذا بسبب اشتراك الجميع في التشكيلة الحكومية فيكون الجميع اصحاب مصلحة في استمرار الحكومة و التستر على الفساد و بالتالي غياب الدور المعارض الذي يعتمد عليه في تنوير الشارع بأي تجاوز او مخالفة ترتكبها الحكومة وبالتالي ضياع امكانية التوازن بين القوى في البرلمان و شل عمله , و كذلك ترى الشركاء يتصارعون على النفوذ و الغنائم من الداخل مما يؤدي الى تأكل الجهود و ضياعها و بالتالي خسارة كبيرة في الوقت و الجهد و المال يتحمله الشعب المسكين.
تبذل الحكومة جهود كبيرة لتحجيم عمل البرلمان و ابعاده عن اداء دوره , نحن بحاجة الى تطوير عمل البرلمان و خصوصا في مجال الرقابة , لذلك يجب دراسة الاشكالات التي تواجه تنظيم العلاقة بين البرلمان و الحكومة , و اعتقد ان حصر العلاقة في وزارة الدولة لشؤون مجلس النواب يحجم من نشاط البرلمان و الافضل ان تكون العلاقة مباشرة بين اللجان البرلمانية و الوزارة المختصة , كما ان تدخل الاعضاء بشكل فردي في عمل الوزارات غير مقبول فان ابعادهم بهذا الشكل غير مقبول.

هذه بعض الملاحظات عن تطوير عمل السلطة التشريعية ولو بشكل مختصر.

2011/08/25

السلطة التشريعية ....عقل الامة 5

امتيازات النواب
على اي اساس تحتسب امتيازات اعضاء السلطة التشريعة ؟ 
هناك فلسفة اعتمد البعض عليها في تصميم امتيازات اعضاء السطلة التشريعية في العراق بعد عام 2003 ومنها نثبت النقاط التالية:
1- ان سياسة النظام السابق في التخلص من اي معارضة سياسية داخل العراق جعلت من البلد ساحة شبه خالية من الناشطين السياسين و بالتالي يجب بناء طبقة سياسية عراقية و دعمها لكي تعتمد على نفسها ماديا ولا تلجاء الى الخارج في التمويل كما كانت تفعل قبل 2003 , و افضل طريقة لتمويل الطبقة السياسية الجديدة هي من خلال منحهم الامتيازات المادية الكبيرة و التي تفوق كثيرا اي امتيازات تمنح لاي موظف عراقي حتى يشارك النواب في تمويل كياناتهم السياسية .
2- ان طبيعة تكوين النفسية العراقية قبل 2003 هي العزوف عن العمل السياسي بسبب البطش و التنكيل و القمع الذي مارسه النظام المقبور ضد المعارضة و بالتالي ابتعد اكثرية المواطنين عن العمل السياسي و بعد 2003 لا بد من طرح مغريات كبيرة لكي نشجع النخب على العودة للعمل السياسي.
3- العمل السياسي من خلال السلطة التشريعية بل ومن خلال باقي السلطات يعرض الانسان الى مغريات مادية كبيرة وحتى نحصن او نساعد العاملين على مقاومة هذه المغريات لا بد من منحهم الامتيازات المادية الكبيرة .

هذه بعض مرتكزات الفلسفة التي اعتمدت لمنح الرواتب و الهبات الضخمة لاعضاء السلطة التشريعية في العراق بعد 2003 , فهل افلحت هذه الفلسفة في تحقيق هدفها ؟
الاجابة : كلا .
نريد اليوم فلسفة جديدة تؤسس لنظام جديد للحوافز و الامتيازات المادية لاعضاء السلطة التشريعية وحتى التنفيذية تبنى هذه الفلسفة على الاسس التالية:

1- التحصين الذاتي و العمل التطوعي و الرقابة المستمرة و الشفافية في التعامل امور يجب توفرها كسلوك نمطي لدى الشخصيات التي تعمل في السلطة التشريعية , لاننا مهما منحنا من امتيازات مادية لهذه الشخصيات فالمغريات ستكون اكبر بكثير.
2- من مستلزمات الوظيفة العامة ان يكون الشخص على قدر كبير من العصامية و نكران الذات و الايثار والا فلن ينجح في عمله. و شخص بهذه الصفات لن يحتاج الى امتيازات كبيرة لكي يبتعد عن الفساد و الشبهة.

اعتقد جازما ان حسن اختيار المرشحين من قبل الكيانات السياسية و من قبل المقترعين و توفير الشروط في المرشح التي سبق لنا الحديث عنها في موضوع سابق هذه الامور كفيلة بوصول اشخاص يمكن الاعتماد عليهم و يمكنهم خدمة الشعب بصورة صحيحة.
ان عظم الامتيازات الممنوحة لاعضاء السلطة التشريعية فتح الباب على مصراعية لكل الطامعين في هذه الامتيازات للتصارع مع الاخرين و استخدام الطرق الملتوية و التجاوز على القانون و القيم الاخلاقية بهدف الوصول الى هذه المراكز وبعد ذلك الركون الى الزوايا البعيدة عن الشعب و عن المجتمع و الانشغال بامور خاصة بعيدة كل البعد عن الشأن العام .
يكفي اعضاء السلطة التشريعية ان يتقاضوا مبالغ شهرية تعادل ما يتقاضاه اقرانهم من العاملين في الدولة العراقية من حيث الشهادة و الحالة الزوجية و المستوى المعاشي مع تحمل الدولة لنفقات سفرهم او ضيافتهم بالمعقول فهم بالنهاية ليسوا متاجرين بهذه المناصب بقدر ما هم متطوعين للقيام بهذه المهمة الجسيمة.
ان تقصير السلطة التشريعية في اقرار قوانين و سياسات تنظم الرعاية الاجتماعية و التنمية الاقتصادية و التعيين في الوظائف الحكومية بشكل يضمن العدالة و السلاسة يدفع المواطنين الى التقرب من السلطة التشريعية و كذلك التنفيذية بهدف الحصول على المنافع المختلفة التي توفرها هذه العلاقة و قسم من هذه المنافع مشروعة و اكثرها غير مشروع .
فلو درسنا طريقة عمل السلطة التشريعية في البلدان الديقراطية لوجدنا ان اغلب المواطنين ليس لهم علاقة مباشرة مع اعضاء هذه السلطات بل تقتصر هذه العلاقة مع جماعات الضغط  و المنظمات غير الحكومية و وسائل الاعلام و تنحصر العلاقة مع المواطنين في حالات نادرة عندما يحصل خرق خطير لحقوق المواطن فيقوم بطلب موعد لاجتماع مع النائب الذي يمثل المنطقة في البرلمان و يطالبه بالتدخل من باب الواجب الرقابي المناط بالنائب .
وهكذا لو كانت السلطة التشريعية قد قامت بواجباتها لما اصبحت بيوت الكثير من النواب ( مضايف) تستقبل افواج من المراجعين الذين في اغلبهم لديهم مصالح خاصة.
من اكبر الدلائل و اوضحها على حسن عمل السلطة التشريعية هو عدم الحاجة من قبل المواطنين الى مراجعة اعضاء السلطة التشريعية في كل حين ولابسط الاسباب .


اصدار اعضاء السلطة التشريعية لقرارات و تشريعات تتضمن امتيازات مادية كبيرة لهم تقدح في وطنية و نزاهة السلطة التشريعية و تساعد على تقليل الثقة الشعبية في الطبقة السياسية وهذا ما اصاب المجتمع العراقي اليوم بسبب الرواتب و الامتيازات الكبيرة التي يتمتع بها النواب مقارنة باقرانهم من اعضاء السلطات التشريعية في البلدان الديمقراطية و كذلك غرابة امر اخر غير موجود في اي بلد ديمقراطي غير العراق وهو صرف رواتب 30 فرد لحماية النائب نقدا الى النائب نفسه و هو حر في توظيف اي عدد اي حتى لو لم يعين اي فرد فانه يستفيد من هذه الرواتب وكلنا نعرف ان وزارة الداخلية لديها مئات من افراد الشرطة المدربين ويمكن الاستفادة منهم في حماية هؤلاء النواب.


خلاصة الموضوع يجب اعادة النظر في امتيازات النواب و تقليلها بشكل منصف يناسب مستوى رواتب باقي العراقيين و الغاء الرواتب التقاعدية المبالغ بها و الاكتفاء بمنح النائب مكافاة نهاية الخدمة .

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...