2011/08/26

السلطة التشريعية ....عقل الامة 6

عمل النواب 
السلطة التشريعية في حقيقتها عبارة عن عدد من النواب الذين انتخبهم الشعب , وفي الانظمة الديمقراطية البرلمانية يكون تشكيل الحكومة من قبل الاكثرية البرلمانية و هذه الحكومة ستكون مستمرة باداء اعمالها ما دامت هناك اكثرية برلمانية تدعمها .
وهكذا فأن الاحزاب السياسية التي تدخل الانتخابات البرلمانية امامها طريقين اما ان تدخل الانتخابات منفردة وهي تشعر بقدرتها على تحقيق الاغلبية في البرلمان و بالتالي فان الحزب السياسي يعلن منذ البداية اسم مرشحه لرئاسة الوزراء و تشكيلته الوزارية , او يشكل الحزب ائتلاف سياسي مع باقي الاحزاب القريبة منه و يوزع المناصب الحكومية قبل الانتخابات و يخرج على الناخبين بتشكيلة متكاملة قبل الانتخابات وهذا يجري في بريطانيا على سبيل المثال , اما الطريق الثاني فهو دخول الحزب الانتخابات منفردا و هو على يقين بعدم قدرته على تحقيق الفوز منفردا و بعد الانتخابات و اعلان النتائج تجري مفاوضات بين الاحزاب لتشكيل حكومة ائتلافية .
القاعدة التي يرجع لها في الانظمة الديمقراطية هي ( حكم الاغلبية) و بالتالي يكفي اتفاق نصف + 1 من عدد النواب في البرلمان لتشكيل الحكومة وهذه القاعدة المغيبة في النظام الديمقراطي العراقي و حل محلها ابتكار عراقي فريد هو (حكومة التوافق) اي ان يكون لكل الكيانات السياسية الممثلة في البرلمان حصة في الحكومة وهذا نظام شاذ لا يوجد له مثيل في العالم اليوم وهو نظام يحمل في احشائه بذور الفشل الذي يتعاظم كل يوم من ايام هذا الحكومة التوافقية .
فلو اردنا ان نرى ديمقراطية فعالة في العراق لا بد من الاحزاب السياسية ان تعلن و قبل فترة كافية من الانتخابات البرلمانية عن تشكيل ائتلافات تضم كافة الالوان العراقية السياسية و تحدد المرشحين للمناصب الكبرى حتى نتخلص من التصارع على هذه المراكز بعد الانتخابات مما يطول من فترة تشكيل الحكومة , كما ان تفعيل قاعدة ( حكومة الاغلبية) سوف يجعل من الديمقراطية العراقية ديمقراطية حقيقية والا فلا يمكن ان يكون في العراق نظام ديمقراطي فعال .
بعد تشكيل البرلمان و تشكيل الاغلبية البرلمانية و فوز حكومة الاغلبية بثقة البرلمان , سيكون هناك واجبين مهمين هما التشريع و الرقابة , ولكن السؤال المهم هو هل يجب ان يكون للاغلبية البرلمانية رؤية واضحة لكي تمارس هذين الواجبين ؟
الاجابة بالتاكيد : نعم , الرؤية و السياسة الواضحة و البرامج الحكومية , كل هذه المباحث المغيبة في الانتخابات البرلمانية العراقية لغاية اليوم فلا الناخبون يسألون عنها ولا الكيانات السياسية تعلنها او تناقشها ولا الاعلام  يركز على هذه المباحث , وكما يقولون الاخوة في مصر ( الذي اوله شرط اخره نور ) للاسف لا توجد شروط على الفائزين فلا يستطيع الشعب بالتالي محاسبة الكيانات الفائزة بشكل موضوعي على وعودهم فهي وعود مطاطة و عامة .
نعود للرؤية ونقول لا بد للكيانات السياسية الديمقراطية من اعلان رؤية واضحة و ترجمتها الى سياسات و برامج تستجيب الى المشاكل العامة على المستويين المحلي و الوطني و الداخلي و الدولي.
اذا بعد اعلان كل ذلك ياتي دور المشرعين في مجلس النواب لترجمة هذه الرؤية و السياسات و البرامج الى قوانين و قرارات تتيح للسلطة التنفيذية العمل بشكل سلس و يمكن للبرلمان بعد ذلك القيام بواجبه الرقابي على مدى التزام السلطة التنفيذية بالقوانين و القرارات التي اصدرها البرلمان و مدى التزام السلطة التنفيذية بروح الرؤية التي اتى بها البرلمان او لنقل الاغلبية البرلمانية الحاكمة.
من اهم مستلزمات نجاح السلطة التشريعية في اداء واجباتها هو تحقق  تدفق المعلومات و البيانات الخاصة بعمل السلطة التنفيذية بشكل كامل الى اعضاء السلطة التشريعية و بدون اعاقة من قبل اي جهة كانت لان اي اعاقة تمثل محاولة لاخفاء معلومات عن مخالفة او تجاوز محتمل على القوانين و القرارات و بالتالي اعاقة عمل البرلمان في ممارسة الرقابة وهذا يؤدي الى تقصير في عمله.
من اساليب الرقابة الناجحة هو اسلوب الرقابة من خلال الموازنة , وهذا الاسلوب مبني على ان اي نشاط حكومي لا بد له من التمويل و بالتالي من خلال مراجعة الموازنة الحكومية ( وهي خطة الانفاق المالي للعام القادم) يمكن للبرلمان معرفة عمل السلطة التنفيذية و بالتالي مراقبة انجاز هذه الاعمال على افتراض ان الموازنة قد نالت موافقة السلطة التشريعية , و يمكن مراجعة الانجاز من خلال مراجعة الحسابات المالية الختامية بعد انتهاء العام وهنا نسجل ان وزارة المالية ارتكبت و ترتكب تقصير من خلال عدم ارسال الحسابات الختامية الى البرلمان في الوقت المحدد , كما ان وزارة المالية مقصرة بشكل واضح عندما اوقفت العمل بنظام الادارة المالية الالكتروني ( FIMS ) و الذي انفقت عليه عشرات الملايين من الدولارات و تدرب عليه العشرات من الموظفين و كان بمكن لهذا النظام ان يتيح معلومات مالية فورية للسلطة التشريعية و لكنه اغتيل .
 تعتبر الرقابة المالية من اهم واجبات السلطة التشريعية , ولكن للاسف يعاني اعضاء البرلمان من قلة المؤهلات العلمية و العملية بالنسبة لادارة المال العام .
اتاح الدستور طريقين للسلطة التشريعية لاصدار القوانين اما بمشروع مرسل من الحكومة او مقترح من قبل عدد من النواب , و قد اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارا يمنع تقديم مقترح قانون من النواب اذا لم يحصل على موافقة مسبقة من الحكومة , وهذا القرار هز اسس الديمقراطية و فصل السلطات و هذا القرار من السقطات العديدة التي تعتبر مجاملة من السلطة القضائية للسلطة التنفيذية .
كنا نتوقع من السلطة التشريعية ان تنشط في مراجعة كل التشريعات السابقة و الغاء اي تشريع يخالف الدستور العراقي و التوجه الجديد للدولة العراقية و لكن للاسف الخلافات و الصراعات الهامشية بين الكيانات السياسية ادى الى عدم قيام السلطة التشريعية بهذا الواجب بل و ادى كذلك الى عدم تشريع قوانين مهمة مؤثرة في الاقتصاد العراقي و مؤثرة في الحياة اليومية للمواطن العراقي و عدم تشريعها ادى الة خسارة العراق لوارادات تقدر بالمليارات من الدولارات , ومن الشكوك التي اثيرت هنا ان الكيانات السياسية قد اثرت مصالحها الخاصة و مصالح اصدقائها من دول الجوار على مصلحة العراق العليا و عرقلت عن قصد اقرار قوانين مهمة مثل قانون النفط و الغاز على سبيل المثال.
ان افتقار البرلمان العراقي الى خطة تشريعية معلنة و ثابتة و معلنة ترتب اولويات التشريعات المهمة على ان يحترمها البرلمان و يلتزم بها ادى الى ضعف اداء البرلمان و غياب دوره المهم عن الساحة السياسية .
كذلك ادت طريقة الحكم التوافقي الى عدم وجود معارضة برلمانية حقيقية و واضحة وهذا بسبب اشتراك الجميع في التشكيلة الحكومية فيكون الجميع اصحاب مصلحة في استمرار الحكومة و التستر على الفساد و بالتالي غياب الدور المعارض الذي يعتمد عليه في تنوير الشارع بأي تجاوز او مخالفة ترتكبها الحكومة وبالتالي ضياع امكانية التوازن بين القوى في البرلمان و شل عمله , و كذلك ترى الشركاء يتصارعون على النفوذ و الغنائم من الداخل مما يؤدي الى تأكل الجهود و ضياعها و بالتالي خسارة كبيرة في الوقت و الجهد و المال يتحمله الشعب المسكين.
تبذل الحكومة جهود كبيرة لتحجيم عمل البرلمان و ابعاده عن اداء دوره , نحن بحاجة الى تطوير عمل البرلمان و خصوصا في مجال الرقابة , لذلك يجب دراسة الاشكالات التي تواجه تنظيم العلاقة بين البرلمان و الحكومة , و اعتقد ان حصر العلاقة في وزارة الدولة لشؤون مجلس النواب يحجم من نشاط البرلمان و الافضل ان تكون العلاقة مباشرة بين اللجان البرلمانية و الوزارة المختصة , كما ان تدخل الاعضاء بشكل فردي في عمل الوزارات غير مقبول فان ابعادهم بهذا الشكل غير مقبول.

هذه بعض الملاحظات عن تطوير عمل السلطة التشريعية ولو بشكل مختصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...