2012/06/30

ظواهر غير صحية في الديمقراطية العراقية


ظواهر غير صحية في الديمقراطية العراقية

ماجد ابوكلل
بداية لا بد من التأكيد على ان الديمقراطية كنظام سياسي ليست النظام الافضل على الاطلاق , بل هو افضل نظام سياسي ممكن تحقيقه , وحتى تستطيع الشعوب الحصول على اقصى فائدة ممكنة من هذا النظام لا بد من العمل الدائم على تطويره و تنميته , هذا العمل المطلوب انجازه لتطوير النظام الديمقراطي هو بنفس الوقت ضروري للحفاظ عليه من الانحراف عن جوهره وتحوله الى مجرد هيكل خاوي يكون معرض الى خطر الاضمحلال و الزوال تدريجيا او بشكل مفاجئ من خلال انهائه بالقوة .
التجربة العراقية الديمقراطية ولدت من خلال عملية قيصرية و لم تكن وليدة عملية تطور طبيعي تدريجي , كانت الحالة العراقية استثنائية فلم يكن بالامكان تصور وصول العراق الى نظام ديمقراطي بشكل طبيعي تدريجي نتيجة تطور الوعي الاجتماعي بسبب العائق الضخم المتمثل بالنظام الدكتاتوري القمعي الذي كان يحكم العراق بالحديد و النار و بسبب التكوين المتعدد الاعراق و الطوائف للشعب العراقي و بسبب التوازنات الدولية و الاقليمية و لاسباب اخرى , كان للعامل الاجنبي التأثير الحاسم في اسقاط النظام الدكتاتوري و البدء بعملية تكوين نظام ديمقراطي على ركام البناء المادي و المعنوي للاستبداد و الطغيان , و تم تصميم النظام العراقي تصميما فريدا ايضا و خاصا بالحالة العراقية , تصميما ضم في اركانه و زواياه بذورا لمشاكل صغيرة في حينها ولكنها سرعان ما تنمو و تكبر لتهز هذا البناء الجديد و تعرضه لاخطار كثيرة تهدد احلام العراقيين بالرفاه و التقدم و الامن و الامان.
نحن اليوم مطالبين اكثر من اي وقت مضى برصد الظواهر غير الصحية في الديمقراطية العراقية و دراستها و الخروج بحلول مقترحة لمعالجة هذه الامراض حتى نحافظ على ديمقراطيتنا قوية متعافية و الا سوف يتعاظم المرض ولن يكون هناك امل في الشفاء.
الذي دفعني لدراسة هذه الظواهر هو ملاحظتي انها تتكرر و قابلة للتكرار وليس هناك اي جهد يبذل لمعالجتها من الاطراف المعنية و هذا بحد ذاته مؤشر قوي على خطورة هذه الظواهر , و سوف اتحدث عن بعضها هنا:
1-   ظاهرة (السذاجة ) لدى الناخب العراقي : و المقصود بها هو عدم اهتمام الناخب العراقي في العموم بالزام المرشحين في الانتخابات باي برنامج انتخابي مفصل يتناول مشاكله الحياتية المهمة و المؤثرة بشكل مباشر مثل مشكلة الكهرباء او البطالة او مكافحة الفساد و تقديم الخدمات البلدية بل يكتفي الناخب بوعود مطاطة و عاطفية غير ملزمة و لا تبين مقدرة المرشح على معالجة المشكلة.
2-   ظاهرة ( فقدان الذاكرة ) لدى الناخب العراقي : و المقصود بها هو النسيان السريع لتاريخ المرشحين المليء بالتقصير تجاه الناخبين و عدم اتخاذ موقف قوي تجاههم و عدم تذكيرهم به.
3-   ظاهرة ( سهولة التوجيه) للناخب العراقي: و المقصود هو الامكانية الكبيرة لتوجيه اتنباه و تركيز الناخب العراقي الى مواضيع محددة يختارها المرشحون لكي يشتتوا تركيزه بطريقة تصرف تركيز الناخب عن مواضيع تهمه بشكل حقيقي و تؤثر على وضعه الامني و الاقتصادي و بالتالي تغيير موقف الناخب السلبي من المرشحين لفشلهم في خدمته الى موقف ايجابي بناء على قضايا هامشية و صراعات طائفية او سياسية هي في الجوهر غير مجدية.
4-   ظاهرة ( استمرار الجهل) لدى الناخب العراقي : بالاصل الناخب العراقي يعاني الجهل بالطريقة الصحيحة للتعامل مع القضايا العامة التي تؤثر عليه وذلك بسبب الدكتاتورية و النظام الاستبدادي السابق الذي كان يقمع اي مشاركة او رأي مخالف و اي محاولة للاعتراض و بالتالي اصبح المواطن العراقي بعيد عن تفاصيل ادارة بلده و ثروته , وحتى اليوم لم تقم الدولة بمشروع توعية حقيقة تزيل هذا الجهل من اغلبية الشعب و تحفزهم على المشاركة الفاعلة في الشان العام بطريقة علمية و موضوعية فالاصل ان المال العام هو ملك لهذا الشعب و عملية انفاقه لا بد ان تكون مفهومة بكل تفاصيلها لاغلبية الناس حتى يعرفوا كيف و اين تنفق اموالهم .

هذه بعض الظواهر و يوجد غيرها قد نعود لها مستقبلا ان شاء الله تعالى و اعتقد ان اغلب هذه الظواهر غير الصحية يمكن معالجتها من خلال تفعيل مفهوم المساءلة الاجتماعية و هي اعادة الحق لصاحبه الاصيل مع تمتع الوكيل بحق الوكالة اي ان الشعب بعد ان ينتخب ممثليه في مجلس النواب و تشكيل الحكومة يكونون هؤلاء هم الوكلاء عن الشعب في ممارسة الحكم و ادارة الدولة و لكن هذا لا يلغي ان صاحب السيادة الاصيل هو الشعب نفسه و لا اشكال بل من الضروري ان يستخدم الشعب صلاحياته في رعاية شؤونه و مراقبة عمل الوكلاء الذين انتخبهم وعدم ترك الامر 100% لهم و التنحي جانبا لحين حلول الانتخابات التالية فهذا سلب للحق الاصيل للشعب في سيادته على نفسه , هذا من جهة و من جهة اخرى ان ممارسة الشعب لمسؤولياته جنبا الى جنب مع ممثليه و اطلاعه على كافة التفاصيل لعملهم سوف يعطي لهؤلاء الممثلين حافزا اكبر على تقديم افضل الخدمات للشعب و يسهل لهم عملهم في التقييم و التقويم و تحديد الاولويات و يرفع الشكوك و الشبهات التي قد تنتج من الغموض و السرية.
التطور هو الصفة الاكثر التصاقا بالحياة و الجمود هي الصفة الاكثر التصاقا بالموت , لذا لا بد لنا من السعي لتحقيق التطور في كل شيء و الديمقراطية من اكثر الاشياء بحاجة للتطوير.
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...