2012/07/02

دعم وتمويل المنظمات غير الحكومية من الخزينة العامة للدولة


 دعم وتمويل المنظمات غير الحكومية من الخزينة العامة للدولة
ماجد ابوكلل
نعود لاستكمال موضوع دعم المنظمات غير الحكومية في العراق الذي بدأناه سابقا و تمخض عنه مقترح قانون صندوق دعم المنظمات غير الحكومية الموجود حاليا في لجنة مؤسسات المجتمع المدني في مجلس النواب الاتحادي.
النقاشات و الحوارات لم تنقطع بين نشطاء المجتمع المدني و من خلال متابعتي المستمرة استطيع القول ان هذا الموضوع يحضر في اغلب المحافل التي تجمع المنظمات غير الحكومية و الناشطين المدنيين, كان لهذه النقاشات الاثر الفعال في اغناء الفكرة و تنضيجها بحيث يتم طرح اراء كثيرة و عرض تجارب لدول كثيرة قامت و تقوم بتمويل المنظمات غير الحكومية و دعم نشاطاتها و كنت في الفترة الماضية اصغي لهذه الطروحات و ادونها ثم اعود لمناقشتها لاستخلاص افضل العبر منها, وقبل طرح المقترح بصيغته الاخيرة اود ان اعرض لعدد من المباني المهمة التي تؤسس لموضوع الدعم الذي نطالب به و ذلك من باب الرد على بعض الطروحات التي نحترمها و نقدرها ولكن لا نتفق معها :
1-   التخوف من تسييس الدعم الذي يمكن ان تقدمه الدولة الى المنظمات غير الحكومية هو تخوف مشروع و مبرر و هو نتيجة لتسييس كل شيء في العمل العام في العراق اليوم وهذا مفهوم في بلد ما زال يحبو في طريق النضوج الديمقراطي وقد يكون مقبولا الان ولكنه سيكون غير مقبول بعد فترة بسيطة عندما يقطع العراق و المجتمع فيه شوطا زمنيا متقدما في التجربة الديمقراطية و على اي حال ان المظاهر غير الصحية التي صاحبت التجربة الديمقراطية في العراق حتى الان يجب ان لا تمنع ولا تكون مبرر لمصادرة حقوق واستحقاقات لمؤسسات مهمة في الهيكل الديمقراطي العراقي وهذا التخوف لا يبرر ابدا لاي طرف كان ان يستخدمه كعذر في منع او اعاقة تقديم الدعم للمنظمات غير الحكومية فالتسيس في صورته الحالية لمظاهر العمل الديمقراطي هو ذنب من يقوم به من الكيانات المتنفذة و المسيطرة وليس ذنب المنظمات غير الحكومية لكي تتحمل جريرته و بدلا من منع الدعم المستحق لهذه المؤسسات يجب على الكيانات السياسية الانتباه لنفسها و لما تقوم به من اخطاء و محاولة اصلاحه في اسرع وقت, و الحقيقة ان تشريع قانون الاحزاب السياسية سوف يساهم و بشكل فعال في تقليل المخاوف من تسيس دعم الدولة للمنظمات غير الحكومية.
2-   التخوف من الفساد المالي و الاداري المنتشر حاليا في مختلف الدوائر الرسمية و الخشية من ان يؤثر على مصداقية الدعم الذي نطالب به للمنظمات غير الحكومية و الذي يمكن ان يؤدي الى هدر المال العام كما يهدر في مؤسسات حكومية كثيرة حاليا كل هذا التخوف مبرر و مقبول و مفهوم ولكنه و لنفس الاسباب المذكورة في النقطة الاولى اعلاه لا يمكن ان يقبل كمبرر لمنع استحقاق دستوري و قانوني للمنظمات غير الحكومية و كذلك لا يمكن ان تتحمل هذه المنظمات جريرة تقصير السلطات الثلاث في مكافحة الفساد المالي و الاداري , ان تمويل و دعم المنظمات غير الحكومية ليس انفاقا بغير طائل و ليس نفقات غير مبررة كما يقول البعض بل هو خطوة مهمة من خطوات الطريق نحو التكامل الديمقراطي لبناء مجتمع عراقي جديد يؤمن و يدافع عن الديمقراطية و مؤسساتها.
3-   سوف احاول من خلال المقترح التالي ان يتم تلافي كل المخاوف التي يمكن ان تعترض طريق تنفيذ الاستحقاق الدستوري في تقديم دعم الدولة للمنظمات غير الحكومية باعتبارها مؤسسات مجتمع مدني مشمولة بنص المادة 45 من الدستور العراقي النافذ.
بعد عرض النقاط اعلاه سوف ندخل الان في صلب المقترح و شرح مبرراته و لماذا لم يؤخذ ببعض المقترحات الاخرى :
1-   توصلت الى نتيجة و هي ان افضل حل لتقديم الدعم الى المنظمات غير الحكومية هو من خلال تعديل القانون رقم 12 لسنة 2010 وليس باصدار قانون جديد او انشاء هيكل رسمي جديد و ذلك لعدة اسباب منها توفير نفقات تأسيس جهاز حكومي جديد و لكون دائرة المنظمات غير الحكومية هي الجهة المسؤولة قانونا عن تسجيل و متابعة عمل هذه المنظمات و لكون تعدد الاجهزة الحكومية سوف يخلق تضاربا او عدم تناسق في عملها سوف يؤثر بشكل مباشر على ادائها و تقديم الخدمات للمنظمات غير الحكومية و لكن هذا يستدعي ايضا تطوير القانون المشاره له اعلاه بشكل يمكن من خلاله تقديم الدعم الذي نطالب به , هناك مقترحات و تجارب في دول اخرى تمت دراستها و خصوصا تجربة صندوق دعم الديمقراطية في الولايات المتحدة الامريكية ( NED ) وهو نفسه عبارة عم منظمة غير حكومية و يعتبر من الداعمين الاساسيين للمنظمات غير الحكومية في العالم و تجربة الاتحاد الاوربي في تقديم الدعم من خلال منح كبيرة تقدم من المفوضيات المتعددة للاتحاد و من قبل وزارات الخارجية فيه او من قبل وكالات متخصصة , كل هذه التجارب ناجحة ولا شك ولكن في الحالة العراقية التي يتركز عمل المنظمات غير الحكومية فيه على الداخل العراقي و ليس على الخارج كما هو في امريكا و الدول الغربية يجب ان يكون الدعم محددا بانفاقه في داخل العراق الا في حالات خاصة كالكوارث الطبيعية او ما شابه ذلك و بموافقات رسمية من الجهة التي تراقب هذا الانفاق و ابواب صرفه.
2-   التعديل المطلوب في القانون رقم 12 لسنة 2010 يجب ان يكون تعديل واسع لكي يكون التعديل في دائر المنظمات غير الحكومية فاعلا و مؤثلا و يعطي نتائج مثمرة في دعم المنظمات غير الحكومية, لذا يجب بداية النظر في ادارة دائرة المنظمات نفسها و تعديل القانون لتكون الادارة العليا عبارة عن مجلس ادارة وليس مدير عام يعين كباقي الدوائر الحكومية و مجلس الادارة هذا يجب ان يضم اعضاء متطوعين ولا يتقاضون اي اجر مقابل عضويتهم في المجلس و يشترط فيهم ان يكونوا من الناشطين المدنيين الذين لديهم تاريخ طويل و مشرف في خدمة العمل المدني في العراق و يتم انتخابهم من خلال مؤتمر ينظم كل سنتين او ثلاث يحضره ممثلون عن كل المنظمات غير الحكومية المسجلة رسميا و يتم طلب الترشيح و الانتخاب تحت اشراف قضائي , يجتمع هذا المجلس كل شهر او شهرين لوضع لمناقشة عمل الدائرة و متابعة شؤونها حسب القانون , ويكون للدائرة مدير عام ينفذ البرامج و السياسات التي يضعها مجلس الادارة و هو معين في منصبه بموافقة مجلس الادارة.
3-   لا بد من اشراك مجالس المحافظات و المجالس المحلية في عمل دائرة المنظمات غير الحكومية وهذا يجب ان يدرج في تعديل القانون حتى نستطيع الاستفادة من هذه المجالس و لجان المجتمع المدني و حقوق الانسان فيها و تكون هذه الاستفادة من عدة جوانب , من جانب اعانة الدائرة في متابعة و مراقبة عمل المنظمات غير الحكومية في مختلف المحافظات و المدن العراقية و التي لا يمكن لكادر الدائرة المحدود العدد من متابعتها بالشكل المطلوب و كذلك لكي نستطيع الاطمئنان ان هذه المنظمات حقيقية و موجودة على ارض الواقع و ليست وهمية كما يتخوف البعض و يقول ان توفير الدعم سيخلق لنا منظمات وهمية تؤسس من اجل الحصول على الدعم المادي و هي غير موجودة على ارض الواقع ومن ناحية اخرى اشراك لجان مؤسسات المجتمع المدني و حقوق الانسان في مجالس المحافظات في متابعة المنظمات غير الحكومية سوف يؤدي الى تقوية الروابط و العلاقات بين الطرفين و يتيح التعارف و تبادل وجهات النظر بما يخدم المصلحة العامة , كما ان هذه اللجان يجب ان يكون لها رأي في المشاريع الممولة من قبل الخزينة العامة و التي تنفذها المنظمات غير الحكومية باعتبارها جهة مشرفة على انفاق المال العام و هذا استحقاق قانوني لمجالس المحافظات باعتبارها اعلى جهة رقابية و تشريعية محلية في المحافظة.
4-   كان البحث دائما يركز على موضوع الدعم المالي الذي نطالب الحصول عليه من الدولة للمنظمات غير الحكومية و لكن اثار العديد من الناشطين المدنيين موضوع الدعم المعنوي ايضا و ارى ان مطالبتهم منطقية و لذلك يجب ان يتضمن تعديل القانون رقم 12 لسنة 2010 النص على الدعم المعنوي للمنظمات غير الحكومية و الناشطين المدنيين و قد يكون هذا الدعم المعنوي على شكل اعتراف بجهود الناشطين المدنيين و اعتبار خدمتهم في المنظمات غير الحكومية على شكل عمل تطوعي ميزة في حالة التقديم لشغل الوظائف الحكومية و اعتباره ايضا خبرة مضافة في السيرة الشخصية و اعتبار العمل التطوعي في المنظمات غير الحكومية شرط للترشح في الانتخابات العامة وعلى مختلف المجالس و غير هذا من الدعم المعنوي.
5-   في اجتماع ضم عدد من اعضاء مجلس النواب و عدد من الناشطين المدنيين في مجلس النواب يوم 23/4/2012 دعت له و نظمته لجنة مؤسسات المجتمع المدني في المجلس مشكورة اثارت الدكتورة ماجدة عبد اللطيف نائب رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب قضية مهمة و هي ما هي النسبة المطلوبة لتمويل المنظمات غير الحكومية من مجمل الموزانة العامة للدولة ؟ بمعنى اذا علمنا ان هناك نص في مشروع قانون الاحزاب السياسية يقول تخصص نسبة 1% من الموازنة العامة للدولة لتمويل الاحزاب السياسية في العراق فاذا كانت موازنة العراق العامة لعام هي 100 مليار دولار فسيكون المبلغ المخصص لتمويل الاحزاب السياسية هو مليار دولار و قد لا ينفق كل هذا المبلغ في المدة المحددة فيعاد المتبقي للخزينة العامة و قد ينفق ولكن من المهم ان تحدد نسبة معينة , وهنا يمكن ان نقترح ان ينص القانون رقم 12 لسنة 2010 بعد تعديله على تخصيص نسبة لا تقل عن 0,30 % من الموازنة العامة للدولة سنويا لتمويل المنظمات غير الحكومية على ان تراجع هذه النسبة سنويا.
6-   ايضا من الامور التي اثيرت قضية ما الذي يمول هل هي التفقات الثابتة و المشاريع ام المشاريع فقط ؟ واذا اطلعنا على القانون رقم 1 لسنة 2011 الصادر في اقليم كوردستان العراق لوجدنا انه يمول المشاريع فقط ولا يمول التفقات الثابتة مثل اجور المقر و غيرها بينما قبل صدور هذا القانون كانت حكومة الاقليم تعطي منح شهرية ثابتة للمنظمات هناك , الواقع هناك نخوف لدى كثيرين ان يتم التظاهر من قبل البعض انه يؤسس منظمة غير حكومية و يقوم بالتحايل على القانون في سبيل الحصول على مورد ثابت و هو لا يقوم باي نشاط فعلي وهذا تخوف مشروع و مفهوم و لكن اذا نظرنا الى النشاطات التي يمكن للمنظمات غير الحكومية القيام بها لوجدنا انها متعددة ومنها ما هو متكرر ولا يحتاج الى مشاريع منفصلة مثل المراكز البحثية التي تقوم باصدار الدراسات المختلفة للمفكرين و تنشرها في وسائل النشر المختلفة و خصوصا الالكترونية منها و هي لا تحتاج الى وضع مشروع له موازنة مالية مستقلة , كما ان المرحلة التي يمر بها العراق و هي مرحلة ما زالت توصف بالانتقالية في المسيرة الديمقراطية لا نجد متبرعين كثيرين مستعدين لدعم المنظمات غير الحكومية لذا ترك هذه المنظمات هكذا دون توفير الدعم الكامل لنشاطاتها من حيث النفقات الدائمة و المشاريع سوف يؤدي الى اضعاف دور هذه المنظمات و هي ما زالت في بداية الطريق , و القضية الاهم هو ان الاخطاء التي صاحبت عمل المنظمات غير الحكومية في الفترة الماضية نتيجة التمويل غير المنضبط و ضياع كثير من اموال التمويل نتيجة الاساليب الخاطئة في الادارة يمكن لهذه الاخطاء ان تعالج و يتم تلافيها في الجيل الجديد من الناشطين المدنيين اذا تم تدريبهم بصورة صحيحة و اذا تم وضع كل العملية تحت رقابة صارمة ( فقط فيما يخص انفاق المال العام) من قبل العديد من جهات الرقابة الرسمية, لذا ارى لا بد من ان يكون التمويل على نوعين هما تمويل النفقات الثابتة و تمويل المشاريع و يكون لكل نوع اجراءات قانونية تفصيلية توضع من قبل الخبراء في هذا المجال.

هذه الدراسة القصيرة بحاجة الى نقاش لكي يستكمل هذا المقترح المهم حول دعم و تمويل المنظمات غير الحكومية من قبل الدولة.

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...