2012/09/03

دور المحكمة الاتحادية العليا في العراق في تعزيز وحماية الحقوق[1] والحريات في ضوء الاتفاقيات الدولية



دور المحكمة الاتحادية العليا في العراق في تعزيز وحماية الحقوق[1] والحريات في ضوء الاتفاقيات الدولية

القاضي جعفر ناصر حسين /عضو المحكمة الاتحادية العليا في العراق 

مرحلة الحكم الملكي


عرف العراق نظام الرقابة على دستورية القوانين في ظل القانون الأساسي العراقي (الدستور) لعام 1925 اذ نص على تشكيل محكمة عليا تتولى عدد من الاختصاصات من بينها الرقابة على دستورية القوانين وتفسير احكام القانون الاساسي . الا ان المحكمة المذكورة لم تكن جهازاً دائمياً من اجهزة الدولة لان انشائها موكل بالمهمة التي تحال إليها . وهذا سهل للسلطة التنفيذية التدخل في أعمالها واصبحت في مهب ريح التيارات السياسية
. لذلك فهي لم تباشر مهمة الرقابة على دستورية القوانين . ولم يكن لها دور لامع في ضمان مبدأ المشروعية وانزال حكم القانون على الجميع حكاماً ومحكومين . وتكاد لا تذكر قراراتها في الفقة الدستوري العراقي .

مرحلة الحكم الجمهوري
        بعد قيام الحكم الجمهوري عام 1958 وإلغاء القانون الاساسي , فان الدستور الذي حل محله  لم يعرف نظام الرقابة على دستورية القوانين وتفسير احكام الدستور وجاء خالياً من الاشارة اليه .

مرحلة ما بعد انقلاب عام 1968
       وعند صدور دستور عام 1968 في ظل نظام البعث فقد قضى بتشكيل محكمة دستورية عليا بقانون تتولى الرقابة على دستورية القوانين , وبالفعل صدر القانون رقم (159) لسنة 1968 بتأسيس المحكمة ولكنها لم تشكل   ولم تر النور لأ نه لم يرق للنظام السابق إيجاد محكمة تراقب أعماله والقرارات التي كان يصدرها مجلس قيادة الثورة القائم آنذاك , خاصةً ما تعلق منها بالحريات العامة وحقوق الانسان وحمايتها . وكنت قد  حضرت في احد المؤتمرات الذي انعقد سنة 1994 بمشاركة ممثلين عن  وزارتي العدل والداخلية وكان قد حضر ذلك المؤتمر وزير الداخلية آنذاك علي حسن المجيد الذي اشتهر بلقب (علي كيمياوي) فطرح احد الاشخاص المشاركين بالمؤتمر  موضوع المعتقلين وضرورة تجنب ما ترصده  المنظمات الدولية التي ترعى حقوق الانسان فأجابه (علي كيمياوي) : ياحقوق انسان تتكلم عنها لاننا لا نخشى ماتقوله هذه المنظمات.
      وكان القضاء العادي يصطدم بفكرة عدم جواز الفصل في دستورية القوانين وشرعيتها بداعي ان مهمة القاضي تطبيق القوانين وليس البحث في شرعيتها .      
     كما كان القضاء العادي يخشى الاصطدام مع السلطة التنفيذية في محاولاته المتكررة لمناقشة عدم شرعية بعض القرارات والقوانين التي كان يصدرها مجلس قيادة الثورة المنحل والتي لها قوة القانون .
     كما كان القضاء عاجزاً عن البحث في القرارات التي تصدرها الجهات العليا بحجة انها من اعمال السيادة . وعند تشكيل محكمة القضاء الاداري منحت حق النظر في الطعن في صحة الاوامر والقرارات الادارية التي لم يعين مرجع للطعن فيها . الا انها منعت من النظر في كل ما يدخل ضمن مفهوم  اعمال السيادة . فالمادة (7) من قانون مجلس شورى الدولة رقم (65) لسنة 1979 المعدل الذي تأسست بموجبه هذه المحكمة وحدد اختصاصاتها قد نصت الفقرة خامساً منها : (بان لا تختص محكمة القضاء الاداري بالنظر في الطعون المتعلقة بما ياتي:
    أ. اعمال السيادة ـ وتعتبر من اعمال السيادة المراسيم  والقرارات التي  
       يصدرها رئيس الجمهورية .
    ب. القرارات الادارية التي تتخذ تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية وفقاً
        لصلاحياته الدستورية .)
ولعل القرارات التي كان النظام السابق يضرب  فيهابعرض الحائط  كل الاعراف والقوانين الدولية المتعلقة بالحقوق والحريات لا عد لها . ومن ابرزها شن الحروب على دول الجوار ، وتهجير السكان ومصادرة اموالهم بحجة اصولهم العرقية ومنهم بينهم الكورد الفيليين والعراقيين من التبعيات الايرانية والافغانية والهندية . ومن  القرارات التي اصدرها النظام السابق نجد امامنا  قرارات الانفال وملاحقته الناس  بقرارات  قطع اليد والاذن وجدع الانف ووشم الجبهة ومنع الاطباء من  إجراء عمليات تجميل لأمثال هؤلاء . ولعل أمثال هذه العقوبات القاسية ذات  تأثيرعلى من تطبق عليه قد يكون  اشد قسوة من عقوبة الاعدام .

مرحلة ما بعد قيام الحكم الديمقراطي وزوال النظام السابق
        وبعد زوال النظام السابق في عام 2003 كان لابد من انشاء محكمة عليا تتولى مهمة الرقابة على دستورية القوانين والقرارات والانظمة والتعليمات التي تصدرها السلطتين التشريعية والتنفيذية لضمان مبدأ الفصل بين السلطات وضمان احترام الدستور وترسيخ مبدأ سيادة القانون بأن لايمس القانون الحقوق والحريات , وللحيلولة دون تشريع قوانين او اصدار قرارات تمس حقوق الانسان والحقوق الاخرى والحريات العامة .
        وقد وضع من ساهم في صياغة قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية نصب عينيه أهداف ترسيخ مبادئ الديمقراطية والعمل على فصل السلطات واحترام استقلال القضاء . فكانت ولادة المحكمة الاتحادية العليا بالاستناد الى المادة (الرابعة والاربعين) منه . فشرع قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 بعد ان كان قانون ادارة الدولة قد حدد اختصاصاتها فتكرست تلك الاختصاصات  في قانونها , وباشرت عملها في 30/3/2005 .
        وعند صدور دستور جمهورية العراق الدائم لعام 2005 الذي كفل  الحقوق والحريات العامة ومن ابرزها  حقوق الانسان . وقد خصص الدستور الفصل الثالث للسلطة القضائية ، فنصت المادة (89) منه على  أن تتكون هذه السلطة من مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز الاتحادية والاجهزة القضائية التابعة لمجلس القضاء الاعلى .
          وخصص الفرع الثاني من الفصل الثالث للمحكمة الاتحادية العليا وبينت المادة (93) اختصاصاتها ومن ابرز هذه الاختصاصات تفسير احكام الدستور والرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة , والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة من السلطة الاتحادية , ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الافراد وغيرهم حق الطعن المباشر امام هذه المحكمة.
        وبذلك تأسس قضاء في العراق يمارس الرقابة على دستورية القوانين ضماناً لحماية الحقوق والحريات . وان من اهم اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا هي الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور اضافة الى اختصاصاتها الاخرى المنصوص عليها في المادة (93) من الدستور والاختصاص المنصوص عليه في المادة (52/ثانياً) منه . كما ان للمحكمة اختصاص اخر منصوص عليه في المادة (4/ثالثاً) من قانونها رقم (30) لسنة 2005 بالنظر في الطعون الصادرة من محكمة القضاء الاداري .
        كما ان هناك اختصاصات اخرى اضيفت لهذه المحكمة منها ماورد في قانون الجنسية رقم (26) لسنة 2006 وقانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم .
      ومنذ تشكيل المحكمة الاتحادية العليا بالاستناد لقانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية وممارسة عملها فقد لعبت دوراً كبيراً  في الحياة العامة  واصبحت  حارسا وملجأ للمواطن لحماية الحقوق والحريات . وعندما توسعت هذه الاختصاصات في المادة (93) من دستور جمهورية  العراق لعام 2005 لعبت المحكمة دوراً كبيراً في الحد من تجاوز السلطتين التشريعية والتنفيذية لحماية هذه الحقوق الذي هو الهدف الاسمى للرقابة على دستورية القوانين . ان القواعد الاجرائية للمحكمة الاتحادية العليا المنصوص عليها في نظامها الداخلي رقم (1) لسنة 2005 قد أعطت الحق للافراد باقامة الدعوى الدستورية المباشرة عند انتهاك حق من حقوقهم  . وهذا الحق  مشابه لما منصوص عليه في القانون الاساسي الألماني المادة (93 فقرة 3/1) وكذلك في اسبانيا, إذ يمكن أن يباشر هذا الحق حتى ولو لم يكن النزاع معروضا امام القضـاء العـادي .
ولما كان القانون هو الاداة لحماية الحقوق والحريات ،فإن المحكمة الاتحادية العليا تقوم بحماية تلك الحقوق والحريات من خلال رقابتها على دستورية القوانين والأنظمة النافذة .
         اعطى النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا الحق للمحكمة العادية ومن تلقاء نفسها واثناء نظر أية دعوى من الدعاوى , ان تطلب البت في شرعية نص في قانون او قرار تشريعي او نظام او تعليمات تتعلق بتلك الدعوى فتقوم بارسال الطلب معللاً الى المحكمة الاتحادية العليا للبت فيه , ولايخضع هذا الطلب للرسوم القانونية .
كما يحق للمحكمة العادية عند الفصل في قضية معروضة امامها ان تطلب الفصل في شرعية نص في قانون او قرار تشريعي او نظام او تعليمات او امر بناء على دفع من احد الخصوم بعدم الشرعية . وعندما تجد الدفع مقبولاً تكلف الخصم بتقديم هذا الدفع بدعوى , وتستأخر الدعوى المنظورة من قبلها لحين البت بالدعوى من قبل المحكمة الاتحادية العليا  .
دور المحكمة الاتحادية العليا في حماية الحقوق والحريات
وبعد هذه المقدمة سنركز على دور المحكمة الاتحادية العليا في حماية وضمان حقوق الانسان وحرياته من خلال ممارستها الرقابة الدستورية ، من خلال  المقارنة بين نصوص الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المواد من (1ـ27) والاحكام الواردة في دستور جمهورية العراق لعام 2005 التي تنظم ذات الموضوعات والاحكام التي صدرت عن المحكمة الاتحادية العليا في هذا الصدد .
وقد لاتسمح صفحات المجلة ،  ان نتطرق لجميع الاحكام والقرارات الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا المتضمنة حماية الحقوق والحريات ولكن سنذكر اهم تلك القرارت والاحكام  , وبامكان من يشاء الاطلاع على كل القرارات و الاحكام الصادرة عن المحكمة التي تنشر بمجرد صدورها على موقع مجلس القضاء الاعلى والمحكمة (www.iraqja.iq) .

الحالة الاولى
حق المواطن في الجنسية
نصت المادة (الخامسة عشر) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان بان لكل  فرد حق التمتع بجنسية ما وفي هذا الصدد نصت المادة (18) من الدستور على :
اولاً ـ الجنسية العراقية حق لكل عراقي وهي اساس مواطنته .
ثانياًـ يعد عراقياً كل من ولد لاب عراقي أو لام عراقية وينظم ذلك بقانون .
وتنفيذاً لنص الفقرة ثانياً من المادة (18) انفة الذكر فقد شرع قانون الجنسية رقم (26) لسنة 2006 ونصت المادة (3) منه بأن يعتبر عراقي :
أـ من ولد لاب عراقي او لام عراقية .
ب ـ من ولد في العراق من ابوين مجهولين ويعتبر اللقيط الذي يعثر عليه في العراق مولاداً فيه مالم يقم الدليل على خلاف ذلك .
       ورغم صراحة نص الفقرة (أ) انفة الذكر الا ان وزارة الداخلية ومديرية الجنسية العامة التابعة لها ابتعدت عن تطبيق الدستور والقانون , فكانت ترفض منح الجنسية العراقية لمن ولد من ام عراقية واب غير عراقي وخاصة اذا كان الاب فلسطيني . بحجة المنع الوارد في الفقرة (ثانياً) من المادة (6) من قانون الجنسية التي تنص على (لايجوز منح الجنسية العراقية للفلسطنيين ضمانا لحق عودتهم الى وطنهم ) . ولم تلاحظ ان هذا المنع يخص الفلسطيني المولود من اب وام فلسطينيين .
وقد بادرت الام العراقية او الفلسطيني البالغ سن الرشد بالطعن بقرارات وزير الداخلية امام محكمة القضاء الاداري التي أيدت اتجاه وزارة الداخلية ومديرية الجنسية العامة في عدم منح الجنسية لأولئك  الاشخاص , الا ان المحكمة الاتحادية العليا تصدت لذلك وأصدرت العديد من القرارات عند الطعن تمييزاً امامها بقرارات محكمة القضاء الاداري بقيامها بنقض تلك القرارات وألزمت محكمة القضاء الاداري بتطبيق الدستور وقانون الجنسية والحكم بأحقية المولود من اب فلسطيني وام عراقية بالحصول على الجنسية العراقية .
وان المحكمة الاتحادية العليا لم تمارس رقابتها على دستورية قانون الجنسية بدعوى مباشرة وانما مارست هذه الرقابة بدعوى غير مباشرة بمناسبة الطعن بقرارات محكمة القضاء الإداري أمامها , وقامت بدورها في حماية حقوق الانسان . وقد اتبعت محكمة القضاء الإداري قرار المحكمة الاتحادية العليا لأنه واجب الاتباع و ملزم للكافة  ولا تملك حق مخالفته . واخيراً التزمت وزارة الداخلية بذلك ايضاً ولكن بعد أن  أصدرت المحكمة الاتحادية العليا عددا كبيرا من القرارات , ومن بين هذه القرارات :
(القرار 4/اتحادية/تمييز/2007 في  26/4/2007)
(القرار 31/اتحادية/تمييز/2007 في 30/7/2007)
(القرار 78/اتحادية/تمييز/2007 في 16/11/2007)
الحالة الثانية
صيانة حق الملكية
نصت المادة (17) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على ان لكل فرد الحق في التملك بمفرده او بالاشتراك مع غيره ولا يجوز تجريد احد من ملكه تعسفاً . ونصت المادة (23/اولاً) من الدستور على ان : (الملكية الخاصة مصونة ويحق للمالك الانتفاع بها واستغلالها والتصرف بها في حدود القانون) .
ونصت الفقرة ثانياً من نفس المادة على أن : (لايجوز نزع الملكية الا لاغراض المنفعة العامة مقابل تعويض عادل وينظم ذلك بقانون) .
وقد اصدر النظام السابق العديد من القرارات التي تخالف هذه الاحكام وتخالف نصوص الدستور المؤقت النافذ في حينه ولعدم وجود محكمة تحكم بعدم دستورية القوانين .
تصدت المحكمة الاتحادية العليا الى هذه القرارات عند الطعن فيها امامها ومن هذه القرارات :
في قضية رفعت أمام المحكمة الاتحادية العليا بالطعن بعدم دستورية البند (ثالثاً) من قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (221) في 4/10/2001 التي تنص على ((يحرم (ن.ج.ش) ابن المنصوص عليها في البند (ثانياً) من هذا القرار من وراثتها بعد وفاتها , عقاباً له على عقوقه لها , وتوزع حصته على ورثتها كل حسب استحقاقه الشرعي)) .
قضت المحكمة ان القرار قد صدر في ظل الدستور المؤقت وانه قد تبنى في أحكامه الشريعة الإسلامية . وحيث ان الشريعة الاسلامية قد حددت الحالات التي يحرم فيها الوارث من الارث وليس من بينها عقوق الوالدين وجاءت مخالفة للدستور فقضت المحكمة بالغاء الفقرة (ثالثاً) من قرار مجلس قيادة الثورة لعدم دستوريتها.
( قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 11/اتحادية/2006 في 24/8/2006).
وفي قضية اخرى ادعى المدعي ان رئيس الجمهورية السابق كان قد اصدر قراراً بعدد (67) في 31/7/2001 قضى بافراز جزء من القطعة المرقمة (525/1) زوية دون موافقة المدعي كشريك مع باقي الشركاء على الشيوع وتسجيل هذا الجزء باسم المدعى عليه الثالث (ع.ر.س) خلافاً لنص المواد (1070ـ1073) مدني ولان مثل هذا الافراز يعتبر شكل من اشكال مصادرة حق التصرف بالملك , ويخالف الدستور المؤقت ودستور عام 2005 فقررت المحكمة الاتحادية العليا الحكم بعدم دستورية القرار المذكور واعادة الحالة الى ماكانت عليه لقطعة الارض موضوع الدعوى قبل الافراز.
(قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 60/اتحادية/2009 في 12/7/2010)
الحالة الثالثة
حق العراقي بالتنقل والسفر
نص الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة (13) منه على ان : ((لكل فرد حق مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده والعودة الى بلده)) ونص الدستور العراقي في الفقرة (اولاً) من المادة (44) على أن : (للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه) .
وفي قضية سافر احد النواب الى اسرائيل وعند عودته قرر مجلس النواب رفع الحصانة عنه ومنعه من السفر ومن حضور جلسات مجلس النواب .
وجدت المحكمة الاتحادية العليا ان القرار الذي اتخذه مجلس النواب برفع الحصانة عن النائب (م.ج) ومنعه من السفر ومن حضور جلسات المجلس للاسباب التي اوردها في قراره المتخذ في جلسته المنعقدة بتاريخ 14/9/2008 يتعارض مع احكام الدستور ومع النظام الداخلي لمجلس النواب وقررت الغاءه.
(قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 34/اتحادية/2008 في 24 /11/2008) .
الحالة الرابعة
عدم جواز التوقيف الا بأمر قضائي
في ضوء الاعلان العالمي لحقوق الانسان نص دستور جمهورية العراق في المادة (37/اولاً/ب) بأن : (لايجوز توقيف احد او التحقيق معه الا بموجب قرار قضائي) .
ففي قضية طلبت فيها وزارة حقوق الانسان من مجلس القضاء الاعلى بيان الرأي في القرار الذي اصدره مدير عام الكمارك بتوقيف (37) شخصاً على حسب صلاحيته الواردة في قانون الكمارك باعتباره احد رجال السلطة التنفيذية وباعتبار ان نص المادة (237/ثانياً /1) من قانون الكمارك يخالف نص المادة (37) من الدستور , ولان صلاحية التوقيف منوطة بالقضاء الذي يعمل بإستقلال عن السلطات الاخرى بعد اقرار مبدأ الفصل بين السلطات بموجب (م47 من الدستور) .
احال مجلس القضاء الاعلى الطلب الى المحكمة الاتحادية العليا مع كافة اولياتها باعتبارها منازعة قضائية بين وزارة حقوق الانسان ومديرية الكمارك العامة وفقاً للمادة (5) من النظام الداخلي للمحكمة رقم (1) لسنة 2005 فقررت المحكمة الاشعار الى وزارة حقوق الانسان بالتقدم بدعوى مباشرة حول النزاع للبت في عدم دستورية نص المادة (237/ثانياً) من قانون الكمارك . لكن الوزارة لم تتقدم بهذه الدعوى لحد الان .

الحالة الخامسة
تنص المادة الثانية من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على ان : (لكل انسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الاعلان , دون أي تمييز  بسبب العنصر او اللون او الجنس او اللغة او الدين او الرأي السياسي او أي رأي اخر , او الاصل الوطني او الاجتماعي او الثروة او الميلاد او أي وضع اخر , دون أي تفرقة بين الرجال والنساء )ونصت المادة (14) من الدستور على أن : (العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي ) .  
وقـد تصـدت المحكـمة الاتحاديـة العلـيا لامـور فـي هذا المجال .
حق الانسان في التمثيل بمجالس المحافظات
ان الدستور ضمن نسبة تمثيل للنساء في مجلس النواب لا تقل عن الربع من عدد أعضاء مجلس النواب . غير ان قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم لم يعالج هذه الناحية . فطلب مجلس النواب تفسير بعض المواد الدستورية ومنها المادة (14) من الدستور وسأل ما اذا يمكن فرض نسبة تمثيل للنساء في قانون المحافظات وفقاً للمادة (14) من الدستور وغيرها من المواد التي نصت على تكافؤ الفرص .
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا القرار (13/اتحادية/2007) في 31/7/2007 المتضمن : (تجد المحكمة الاتحادية العليا ان من القواعد التي تتبع في تفسير أي مادة في تشريع ما , وجوب دراسة كل مواد ذلك التشريع للوصول إلى فلسفة وهدف ذلك التشريع الذي أراده المشرع ومن ذلك الدستور , وبالرجوع الى المادة (49/رابعاً) من دستور جمهورية العراق وجد انها تنشد وتستهدف تحقيق نسبة تمثيل للنساء لا تقل عن الربع من عدد أعضاء مجلس النواب , والمحكمة الاتحادية العليا تجد ان ذلك ما يجب العمل عليه في مجلس المحافظة المنتخب نظراً لوحدة الهدف ولوحدة الاختصاصات في المجال التشريعي وان هذا لا يتقاطع مع المبدأ المنصوص عليه في المادة (14) من الدستور بأن يأتي منسجماً معه في المرحلة الحاضرة ) .
حقوق الأقليات في التمثيل النسبي
عدل قانون الانتخابات رقم (126) لسنة 2005 بالقانون رقم (26) لسنة 2009 ونصت المادة (1/ثالثاً) منه على : ( منح المكونات المذكورة فيها حصة (كوتا) تحتسب من المقاعد المخصصة لمحافظاتهم على ان لا يؤثر ذلك على نسبتهم في حالة مشاركتهم في القوائم الوطنية) . ونص البند (خامساً) من المادة (1) من ذلك القانون على ان : ( تكون المقاعد المخصصة من الكوتا للمسيحيين ضمن دائرة انتخابية واحدة ) . وقد اغفل هذا النص المكونات الأخرى كالصابئة المندائيين المنتشرين في كل محافظات العراق والازيدية المتواجدين في نينوى ودهوك وأماكن أخرى .
       وقد طعن الصابئة المندائيين بعدم دستورية البند خامساً المذكور وطلبوا مساواتهم بالمكون المسيحي بان يكونوا ضمن دائرة انتخابية واحدة. قضت المحكمة الاتحادية العليا بالدعويين (6/اتحادية/2010) و(7/اتحادية/2010) وأصدرت في 3/3/2010 قرارين يقضيان بعدم دستورية البند خامساً من المادة (1) من القانون رقم (26) لسنة 2009 لتعارضهما مع المادتين (14) و(20) من الدستور واشعار السلطة التشريعية بتشريع نص جديد يكون موافقاً لهاتين المادتين  .
كما طعن المكون الايزيدي بعدم دستورية ذات النص وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا القرار رقم (11/اتحادية/2010) المؤرخ 14/6/2010 بعدم دستورية النص المذكور وان القرار يشابه القرارين السابقين .
حق المواطن في اللجوء للقضاء
نصت المادة (8) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على ان: (لكل شخص الحق في ان يلجأ الى المحاكم الوطنية لأنصافه من اعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون ) .
ونص الدستور في البند (ثالثاً) من المادة (19) على ان: (التقاضي حق مضمون ومكفول للجميع) ونص البند رابعاً على ان : (حق الدفاع مقدس ومكفول ...) .
واعتبر قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي رقم (14) لسنة 1991 عقوبة ألفات النظر وعقوبة الإنذار باتة في حين يحق للموظف الطعن في العقوبات الأخرى أمام مجلس الانضباط العام فنصت المادة (11/رابعاً) على (تكون العقوبات التي يفرضها الوزير او رئيس الدائرة المخول باتة باستثناء عقوبات التوبيخ وانقاص الراتب وتنزيل الدرجة والفصل والعزل ) .
طعن احد الموظفين الذي وجه وزير الزراعة إليه عقوبة الإنذار بعدم دستورية المادة المذكورة أستناداً للمادة (100) من الدستور التي تقضي بعدم تحصين أي قرار اداري من الطعن .
 قضت المحكمة الاتحادية العليا بالدعوى المرقمة (4/اتحادية/2007) وبتاريخ 29/5/2007 بعدم دستورية نص الفقرة (رابعاً) من المادة (11) من قانون انضباط موظفي الدولة المذكورة ، واستناداً لهذا الحكم شرع مجلس النواب تعديلاً لقانون الانضباط المذكور برقم 5 لسنة 2008 واخضع عقوبتي ألفات النظر والإنذار لطرق الطعن القانونية .
مما تقدم يظهر للقاريء الكريم بوضوح دور المحكمة الاتحادية العليا في تعزيز وحماية الحقوق والحريات في ضوء الاتفاقيات الدولية  ، والدستور العراقي النافذ.


[1] -القي هذا البحث بتاريخ 11/12/2010 على المشاركين في الدورة التي نظمها معهد (ماكس بلانك) الالماني للقانون الدولي في مدينة اربيل للفترة  من 9-18/12/2010 .

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...