2012/09/05

الهندسة السياسية


الهندسة السياسية
د. محمد بالروين
قد يستغرب البعض من هذا العنوان وقد يعتبره البعض الآخر تسمية مغلوطة وخاطئة ولا يوجد شيء اسمه هندسة سياسية. والحقيقة إنني هنا لست بصدد محاولة إثبات أو عدم إثبات هذا المصطلح ولكن كل ما أريد ان أطرحه للنقاش هو ان إهمال عملية الهندسة السياسية ومكوناتها هي من أهم الاسباب الرئيسية التي قادت الى الفشل والتخلف
الذى تعيشه الامة الاسلامية والدول العربية اليوم. وفى اعتقادي المتواضع ان من أهم القضايا التي تواجهنا اليوم هي قضية هندسة ما تريد شعوبنا وكيف يمكن تحقيق ذلك. بمعنى لابد على هذه الشعوب ان تتبنى آليات سياسية متطورة وان تقوم ببناء مؤسسات عصرية تتناسب ورؤيتها المستقبلية وتمكنها من تنفيد وتحقيق أهدافها المنشودة. ولعله من المناسب أن أبتدئ هذا النقاش بمحاولة الإجابة على مجموعة من الاسئلة لعل من أهمها:

1. ماذا نعني بالهندسة السياسية؟
2. ما هي أهم متطلبات الهندسة السياسية؟
3. ما هي أهم أنواع الهندسة السياسية؟
4. ما هي أهم أساليب تطبيق الهندسة السياسية؟
5. ما هي أهم أبعاد الهندسة السياسية؟

"أولا" معني الهندسة السياسية :

يمكن القول ان الهندسة السياسية مثلها مثل الهندسة في العلوم الطبيعية تعمل من أجل تحويل وترجمة الافكار والنظريات الى واقع عملي ملموس وفقا لأهداف محددة سلفا. بمعني ان الهندسة السياسية هي فرع من المعرفة الذى يستخدم المصادر الطبيعية والادوات العلمية والفنية لتصميم وإنتاج هياكل وعمليات وأنظمة ومؤسسات في المجتمع وفق لمعايير محددة وأهداف متفق عليها. وانطلاقا من هذا يمكن القول ان الهندسة السياسية تعني ببساطة ان الانسان يستطيع بأسلوب علمي ومنهجي تغيير مجتمعه عن طريق تغيير المؤسسات و القوانين والعمليات السياسية فيه. وتعني أيضا عدم ترك الاشياء السياسية الى الصدف وانما لابد من الاهتمام بالأسباب والظروف والمعطيات وتسخيرها لتحقيق الاهداف المنشودة. ويمكن باعتبارها من أهم وأقوى الادوات السياسية للقيام بتغييرات جوهرية في المجتمع وفى تشكيل أو إعادة تشكيل الهيكلية السياسية في أي دولة. و باختصار شديد يمكن القول بان الهندسة السياسية تقوم بــــ :

* تحويل المفاهيم والمبادي النظرية الى واقع عملي معاش.
*الانتقال من عالم الشعارات الى عالم البرامج.
* تجسيد واقعي عملي للأفكار التي يؤمن بها افراد المجتمع من أجل بناء آليات حكم عصرية.
* تصميم سلوك سياسي في الدولة وبناء مؤسسات ووضع قوانين ورسم جغرافية سياسية.
* استخدام المناهج والاساليب العلمية في التعامل مع الواقع من أجل تغييره للأحسن.

"ثانيا" المتطلبات:

لعل من أهم متطلبات الهندسة السياسية الاتي :
1- التوقيت
وهو عبارة عن عملية تقدير متى يمكن القيام (أو عدم) بشي ما. بمعني هو اللحظة التي تجتمع فيها كل الظروف التي تدفع بالإنسان للإقدام على شيء ما أوحل مشكلة معينة أو العكس. ويمكن التعرف على هذه اللحظة بإدراك كل المؤثرات التي تقود الى دفع انسان ما لأتخاد قرار معين. ومن هذا المنطلق يمكن تعريف السياسة على إنها بالدرجة الاولى عملية توقيت وان التوقيت هو المُكون الأساسي في العملية السياسية وسّر من أسرار نجاحها. و باختصار شديد يمكن القول بان الهندسة السياسية هي عملية فن معرفة متى يتحدث السياسي ومتى يسكت ومتى يقوم بشيء ما ومتى يقف عن المشاركة فيه. وبمعني آخر هو عملية اصطياد الفرص المناسبة التي يمكن إحداثها أو انتظارها من اجل الاستفادة منها.

2- التغليف:
لقد أصبحت عملية الاخراج أو التغليف - كما يُطلق عليها في علم التسويق اليوم  من أهم شروط نجاح أي حملة او موقف سياسي. ويعني ببساطة عملية تقديم أو عرض الافكار او المبادئ التي يؤمن بها سياسي ما من اجل نشرها بما يتناسب وما تنتظره وتسعي اليه الجماهير. و باختصار شديد يمكن القول إن التغليف هو عملية تسويق الافكار والسياسات والبرامج بأسلوب مؤثر وناجح.

3- الموقع:
وهو ان يكون السياسي في المكان أو الوضع أو الموقف السياسي المناسب عند وقوع الحدت أو أتخاد قرار ما. و الحديث عن الموقع السياسي هنا ليس مجرد الحديث عن ماذا يجب ان يتضمنه برنامج ما وانما ماذا يستطيع ان يفعل سياسي ما بعقلية المشاهد او السامع له لكى يجعله يقتنع ويقبل ببرنامجه. وبمعني كيف يستطيع سياسي ما القيام بالعمل على خلق تشابه أو تطابق بين أفكاره وأفكار الجماهير التي يرغب مخاطبتها. وبمعني آخر و باختصار شديد ان تحديد الموقع المناسب لسياسي ما هو في الحقيقة مجرد انطباع إيجابي يحاول السياسي إحداثه في أذهان الجماهير من أجل التأثير في عقولهم وإقناعهم بما يريد القيام به.

وهنا لابد من الاشارة والتنبيه الى ان تحديد الموقع السياسي هو عمليه صعبه لان هذه العملية لا تتوقف في كثير من الاحيان على ما يؤمن به السياسي فقط ولا فيما يعتقد انه المفيد للمجتمع, وإنما يتوقف بالدرجة الاولى على انطباع وقناعات الآخرين وعلى ادواتهم المستخدمة لتحقيق ذلك. وعليه فإن عملية تحديد الموقع السياسي تستلزم توفر العديد من الشروط السياسية لإنجاحها لعل من أهمها: (أ) اللغة: بمعني ضرورة استخدام اللغة المناسبة والمفهومة للجماهير. (ب) التبسيط: بمعني لأبد على السياسي من تبسيط رسالته وخطابه والعمل على تقديم برنامج واقعي يتناسب مع طموحات ورغبات الجماهير التي يريد مخاطبتها. و(ج) التمييز: بمعني على السياسي ان يعمل على التمييز بين برنامجه وبرامج المنافسين له وان يقدم نفسه على انه البديل الاحسن من كل الخيارات الأخرى المطروحة في الساحة.

"ثالثا" الانواع:
ان للهندسة السياسية أنواع عديدة لعل من أهمها:

1- التقليدية:
ما أقصده بالهندسة السياسية التقليدية هو عملية التطبيق العملي للمبادئ العلمية من أجل تأسيس أو تصميم أو تطوير الافكار والعمليات والآليات والمؤسسات السياسية في مجتمع ما. وهى المنهجية التي تُسخر وتُطبق العلم والتكنولوجيا في خدمة رغبات وحاجات الدولة السياسية. فالمهندس السياسي - على سبيل المثال – هو ذلك الانسان الذى يعمل على حل المشاكل السياسية المعقدة وجعل الاشياء تسير بأكثر فاعلية وبأقل التكاليف ولتحقيق أكبر منفعة للناس.

2- الإعادة:
 وهى ببساطة تعني إعادة تشكيل أو تصميم المؤسسات و ألآليات القديمة والتقليدية بما يتناسب ومتطلبات العصر وضروريات الحياة. فالقبيلة على سبيل المثال هي أحد المؤسسات التقليدية التي يجب إعادة تحديد دورها في المجتمع الحديث. ففي كل الدول العربية اليوم تعتبر القبيلة مؤسسة تاريخية سياسية و اجتماعية وثقافية مهمة في تركيبة الانظمة السياسية القائمة اليوم. وما أقصده بالقبيلة هنا هو تلك المؤسسة الاجتماعية التي تقوم على أساس مجموعة من القواعد والاجراءات والاحكام والاعراف التي بواسطتها يتم تنظيم العلاقات الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية لمجموعة من الافراد في مجتمع ما (تربطهم في العادة روابط الدم وقد تكون في بعض الاحوال روابط جهوية) في منطقة جغرافية معينة. والسؤال هنا في اعتقادي المتواضع ليس هو هل يجب ان تستمر القبيلة كمؤسسة اجتماعية وثقافية أم لا؟ وإنما السؤال المهم هنا هو كيف يتم ذلك و ما هو دور القبيلة كمؤسسة اجتماعية وثقافية والسياسية في المجتمع الحديث المتقدم؟ هذا هو السؤال الاساسي الذى يجب على المهندس السياسي في كل بلد يريد أن ينهض ويتقدم أن يحاول الاجابة عليه.

3- العكسية:
 ما أقصده بالهندسة العكسية هنا هو طريقة تحليل ودراسة العمليات والمؤسسات و ألآليات القائمة والقوانين السائدة و النماذج المستخدمة في مجتمع ما ومحاولة فهم كل مكوناتها وجزئياتها من أجل معرفة سر وجودها وأسباب نجاحها ولأخد منها كل ما هو مفيد وترك كل ما هو ضار. ولعل خير مثال لتوضيح استخدام الهندسة العكسية بأسلوب ناجع هو السياسة التي اتبعتها اليابان عندما قررت الانفتاح على الخارج وخصوصا الغرب في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. والمثالين الآتيين يوضحان سر نجاح هذه السياسة وسر تقدم اليابان دون ان تفقد شيء من قيمها وعاداتها وتقاليدها. المثال الاول يروى قصة كيف قامت اليابان بأنشاء أول سكة حديد في البلاد. فما ان قررت الحكومة اليابانية استيراد أول قطار من الولايات المتحدة الامريكية حتى أمرت العاملين والمتخصصين في هذا القطاع بالقيام بتفكيك عرباته ودراسة كل اجزائه ثم إعادة تركيبه وتشغيله من جديد. وبالفعل قام المتخصصين بذلك وأخدت منهم هذه العملية حوالى سنتين. لقد كان الهدف الاساسي من القيام بهذه العملية هو تمكين الانسان الياباني من معرفة كيفية صناعة القطارات ... وبالفعل تحقق لهم ذلك.

أما المثال الثاني فهو قصة الطالب الياباني "تاكيو اوساهيرا" الذي يمكن اعتباره الرجل الذى بدأ حركة النهضة في اليابان وهو الذى يعرف عند اليابانيين بانه من نقل قوة أوربا إلى اليابان، ونقل اليابان إلى الغرب. يقول أوساهير الذي بعثته حكومته للدراسة في المانيا "... لو أنني اتبعت نصائح أستاذي الالماني الذي ذهبت لأدرس عليه في جامعة هامبورج لما وصلت الى شيء، كانت حكومتي ارسلتني لأدرس أصول الميكانيكا العلمية كنت احلم بأن نتعلم كيف اصنع محرك صغير كنت اعرف أن لكل صناعة وحدة أساسية ، او ما يسمى (موديل) هو أساس الصناعة كلها ، فإذا عرفت كيف تصنع وضعت يدك على سرّ هذه الصناعة كلها ، وبدلاً من أن يأخذني الأساتذة الى معمل او مركز تدريب عملي اخذوا يعطونني كتبا لأقرأها. وقرأت حتى عرفت نظريات الميكانيكا كلها ولكنني ظللت أمام المحرك - ايا كانت قوته - وكأنني اقف امام لغز لا يحل ، وفي ذات يوم ، قرأت عن معرض محركات ايطالية الصنع ، كان ذلك أول الشهر وكان معي راتبي، وجدت في المعرض محركاً قوة حصانين ، ثمنه يعادل مُرتبي كله، فأخرجت الراتب ودفعته، وحملت المحرك، وكان ثقيلاً جداً، وذهبت الى حجرتي ، ووضعته على المنضدة وجعلت أنظر اليه ، كأنني أنظر إلى تاج من الجوهر وقلت لنفسي: هذا هو سرّ قوة أوربا ، لو استطعت أن أصنع محركاً كهذا لغيرت تاريخ اليابان، وطاف بذهني خاطر يقول: أن هذا المحرك يتألف من قطع ذات أشكال وطبائع شتى ، مغناطيس كحدوة الحصان، وأسلاك، واذرع دافعه وعجلات ، وتروس وما الى ذلك لو أنني استطعت أن أفكك قطع هذا المحرك وأعيد تركيبها بالطريقة نفسها التي ركبوها بها ، ثم شغلته فاشتغل ، اكون قد خطوة خطوة نحو سر "موديل الصناعة الأوربية،" وبحثت في رفوف الكتب التي عندي ، حتى عثرت على الرسوم الخاصة بالمحركات وأخذت ورقاً كثيراً، واتيت بصندوق أدوات العمل، ومضيت أعمل، رسمت المحرك ، بعد ان رفعت الغطاء الذي يحمل أجزاءه، ثم جعلت أفككه قطعة قطعة، وكلما فككت قطعة، رسمتها على الورقة بغاية الدقة وأعطيتها رقما وشيئا فشيئاً فككته كله ثم أعدت تركيبه، وشغلته فأشتغل، كاد قلبي يقف من الفرح، استغرقت العملية ثلاثة ايام، كنت آكل في اليوم وجبه واحده، ولا اصيب من النوم الا ما يمكنني من مواصلة العمل وحملت النبأ الى رئيس بعثتنا، فقال: حسناً فعلت، الآن لابد أن اختبرك، سأتيك بمحرك متعطل، وعليك أن تفككه وتكشف موضع الخطأ وتصححه، وتجعل هذا المحرك العاطل يعمل، وكلفتني هذه العملية عشرة ايام، عرفت أثناءها مواضع الخلل، فقد كانت ثلاث من قطع المحرك بالية متآكلة، صنعت غيرها بيدي، صنعتها بالمطرقة والمبرد. بعد ذلك قال رئيس البعثة، وكان بمثابة الكاهن يتولى قيادتي روحياً قال عليك الآن أن تصنع القطع بنفسك، ثم تركبها محركاً ولكي أستطع ان افعل ذلك التحقت بمصانع صهر الحديد ، وصهر النحاس والالمنيوم بدلاً من ان اعد رسالة الدكتوراه كما اراد مني اساتذتي الالمان، تحولت الى عامل ألبس بدلة زرقاء واقف صاغراً الى جانب عامل صهر المعادن كنت اطيع أوامره كأنه سيد عظيم حتى كنت اخدمه وقت الاكل مع انني من اسرة ساموراي ولكنني كنت أخدم اليابان وفي سبيل اليابان يهون كل شيء، قضيت في هذه الدراسات والتدريب ثماني سنوات كنت أعمل خلالها ما بين عشر وخمس عشرة ساعة في اليوم وبعد انتهاء يوم العمل كنت آخذ نوبة حراسة وخلال الليل كنت اراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة وعلم الميكادو الحاكم الياباني بأمري ، فأرسل لي من ماله الخاص خمسة الأف جنيه انجليزي ذهب اشتريت بها أدوات مصنع محركات كاملة وأدوات والآت وعندما أردت شحنها إلى اليابان كانت نقودي قد فرغت فوضعت راتبي وكل ما ادخرته وعندما وصلت الى "نجازاكي" قيل ان الميكادو يريد ان يراني قلت: لن استحق مقابلته الا بعد أن انشي مصنع محركات كاملاً ، استغرق ذلك تسع سنوات وفي يوم من الايام حملت مع مساعدي عشرة محركات، "صنع اليابان" قطعة قطعة، حملناها الى القصر ودخل ميكادو وانحنينا نحييه وابتسم وقال هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي صوت محركات يابانية خالصة هكذا ملكنا "الموديل" وهو سر قوة الغرب, نقلناها إلى اليابان، ونقلنا قوة أوربا الى اليابان، ونقلنا اليابان الى الغرب ..."( أنظر: موقع المنتديات بتارخ: اكتوبر 17 , 2009 , وأنظر ايضا: موقع منتدى المهندس: اغسطس 16 , 2005).

والسؤال هنا هو: كم من الشباب المسلم اليوم يعمل في نفس التخصص الذى تخرج منه؟ وأنا هنا لا أقصد الشباب الذين لم يستطيعوا الحصول على اعمال في تخصصاتهم وأجبروا على العمل في مجالات آخري, وانما أقصد الشباب الذين اختاروا العمل في مجالات آخري بعد تخرجهم من التخصصات التي كان من المفترض ان يفيدوا بها المجتمع ويساهموا بها في حل مشاكله, وبعد ان صرف عليهم المجتمع آلاف الدولارات لتمكينهم من تحقيق ذلك. وبالرغم من اننى لم أستطع الحصول على إحصائيات علمية ودقيقة في هذا الشأن الا اننى ومن مشاهداتى للواقع الذى تعيشه أمتنا اليوم أكاد أجزم بان نسبة هؤلاء الشباب نسبة مرتفعة جدا. ولعله من المناسب ان أضرب المثال التالي لتوضيح عظمة المأساة وخطورة المستقبل. إن الغرض الاساسي من هذا المثال هو المقارنة بين قصة الطالب اليابانى "تاكيو اوساهيرا" وبين الطالب المسلم الذى نقل الاموال الى الغرب ورجع فارغ اليدين الا بلقب "دكتور." هذا اللقب الذى أصبح وللآسف يخول حامله الحديث فى كل شيء الا فى تخصصه. هذه قصة شباب مسلم عربي أتى الى الغرب في بداية السبعينات لدراسة "الهندسة." وبعد قضاء أكثر من عشرين سنة تحصل خلالها على شهادات البكالوريس والماجستير والدكتوراة فى هذا التخصص وكلف مجتمعه مئات الالوف من الدولارات. وعندما أنهى هذا الشاب دراسته وتحصل على شهادته رجع الى الوطن ولكن بدلا من ان يطبق ما علم ويعمل على نقل نظريات التكنلوجيا التى تعلمها فى الغرب كما فعل الطالب اليابانى "أوساهيرا," وبدلا من ان يؤدى الامانة لمجتمعه الذى أرسله لدراسة أصول الهندسة ومعرفة أسس وأسرار هذا العلم, أتدرون ماذا فعل هذا الشاب عندما رجع؟ لقد أخد يقوم بإلقاء الدروس والخطب والمحاضرات ليس فى علم الهندسة التي تعلمها في الولايات المتحدة الامريكية وانما فى علم التفسير والسيرة النبوية والدراسات الاسلامية! والحقيقة ان هذا الشاب ما هو الا نمودج من ألاف الشباب المسلم الذين ضيعوا ثروات شعوبهم وكانت المحصلة النهائية من أعمالهم قريبة من الصفر. فكيف بالله عليك نتوقع لهذه الامة ان تتقدم. ان سرّ نجاح الشعوب المتقدمة اليوم معروف وقد شرحه لنا الطالب اليابانى "تاكيو اوساهيرا" أما سرّ فشل المسلمين فيكمن في أمور عديدة لعل من أهمها أنهم يحبون الحديث والعمل في كل شيء الا فى تخصصاتهم. والخلاصة يا سادة يمكن القول ان الطالب الياباني "تاكيو اوساهيرا" قام بتطبيق حديت رسولنا صلى الله عليه وسلم الذى يقول "إن الله يحب أذا عمل أحدكم عملا ان يثقنه." فنجح هذا الطالب وقدم بلاده, بينما اكتفاء الطالب المسلم بترديد هذا الحديث على المنابر وبحفظه وترديده في كل مناسبة تتاح له و انطبق على هذا الطالب وأمثاله قول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ" (الصف 2 – 3).

"رابعا" الاساليب
لعل من أهم أساليب تطبيق الهندسة السياسية الاتي:

1- الانقلابات:
يمكن اعتبار الانقلابات العسكرية من أهم وأشهر الوسائل التي استخدمتها النخب العربية في النصف الأخير من القرن العشرين من أجل تغيير الخارطة السياسية واعادة هندسة مجتمعاتها. فقد كان اول انقلاب وقع في الدول العربية على سبيل المثال هو الذى وقع فى سوريا عام 1948 بقيادة حسنى الزعيم. "وبالرغم من المكانة العالية التي كان شكري القوتلي حاكم سوريا في تلك الفترة يحظى بها سواء في وطنه او بين الدول العربية الاخرى الا ان ذلك لم يمنع الشعوب العربية من استقبال الانقلاب واستيلاء الجيش على السلطة في سوريا بالترحاب" (من كتاب: حزب مصري حر .عبد اللطيف غزالي, ص 18). وكانت نتيجة نجاح هذا الانقلاب في سوريا ان تشجع العسكريين والنخب في الدول العربية الأخرى لتقليد ما حدت ومحاولة استخدام هذا الاسلوب لإحداث التغيير. وتقليدا لذلك الانقلاب قام العسكر في الوطن العربي في الفترة ما بين 1952 و1980 بأكثر من سبعين محاولة انقلاب نجحوا فيها بأسقاط عشرين نظام حكم في عشر دول عربية ولكنهم فشلوا وللأسف الشديد في تأسيس دولة عصريه واحده.

2- الثورات:
أما الاسلوب الثاني للقيام بالهندسة السياسية فهو الثورات. بمعني لقد قامت بعض الشعوب بمحاولة إعادة هندسة دولها باستخدام هذا الاسلوب. والمقصود بالثورة هنا هو محاولة القيام بتغييرات جدرية وجوهرية وشاملة في طرق تفكير وكيفية تصرف الجماهير في مجتمع ما. ولعل خير مثال على ذلك هو الثورة الفرنسية (1791) , والثورة البولشيفية (1917) , والثورة الصينية (1949) , والثورة الايرانية (1979). كل هذه الثورات قامت بإحداث تغييرات جدرية وجوهرية ونتج عن ذلك إعادة تشكيل الخارطة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في بلدانها.

3- التدخلات:
أما الاسلوب الثالث للقيام بالهندسة السياسية فهو التدخلات الخارجية في شؤون دولة ما. ولعل خير مثال على ذلك هو تدخل الولايات المتحدة في شؤون العراق أخيرا وتغيير نظام حكمها عام 2003. وأيضا ما حاولت (ولا تزال تحاول) الولايات المتحدة الامريكية , وخصوصا مند عام 2000 , فرضه على الدول العربية تحت شعار "الشرق الاوسط الجديد" والذى كان الهدف الاساسي والوحيد منه هو فرض الهيمنة والسيطرة الامريكية الكاملة على المنطقة وجعلها تقبل بسياسة الامر الواقع وخصوصا القبول بوجود دولة إسرائيل على الارض الفلسطينية. وقد سعي الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية تحقيق هذا الهدف باستخدام العديد من الوسائل لعل من أهمها: (أ) تصفية وإنهاء ثقافة المقاومة وخصوصا في فلسطين ولبنان. (ب) التخلص من أنظمة الحكم التي تبنت سياسيات ما يعرف بالممانعة ورفض التدخلات الغربية في سياسات المنطقة. (ج) العمل على تغيير المناهج التعليمية والأوضاع الثقافية في المنطقة. و(د) الضغط المباشر والعلني على الحكام العرب الذين صنفتهم أمريكا بـــ "المعتدلين" وأمرهم بالجهر بولاءتهم للسياسات الغربية وتبنيها.

"خامسا" الابعاد:
لعل من أهم أبعاد الهندسة السياسية و التي يجب على كل مجتمع يريد أن ينهض ان يهتم بها الاتي:

(1)  الفكري:
يمكن اعتبار البعد الفكري من أهم أبعاد الهندسة السياسية. ولعل خير مثال على ذلك هو استخدام فكرة "الدستورية" في كيفية السيطرة على الشعوب و احتواء المعارضة. بمعني إن وجود دستور (أو غيابه) في أي بلد هو الذى يحدد مؤشرات النجاح أو الفشل في كل عملية هندسة سياسية. وبمعنى لكى تنجح عملية الهندسة السياسية في دولة لابد من وجود دستور ولابد ان يكون هذا الدستور في تناسق وتكامل مع كل مكونات المجتمع الأخرى , ولابد من مشاركة أبناء الشعب وإعطاءهم كامل الحرية في اختيار الدستور الذى يريدون. و أذا لم يتحقق هذا الشرط فسوف لن تتحقق أهداف الهندسة السياسية الحقيقية وسيكون مصيرها النهائي الفشل. ولعل خير مثال على ذلك هو فشل عملية الهندسة السياسية التي قامت بها الولايات المتحدة الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية في اليابان. لقد أثبتت هذه التجربة كيف ان عملية الهندسة السياسية قد تؤدي الى انهيارات مكلفة وفى كثير من الاحيان الى نتائج عكسية اذا لم تطبق بصورة علمية وصحيحة. لقد قامت الولايات المتحدة بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية عام 1945 بمحاولة إعادة تصميم وتشكيل الدولة اليابانية عن طريق استخدام الدستور وفرض أفكار وآليات ومؤسسات غير معروفة قبل ذلك الوقت في المجتمع الياباني وكانت ايضا غريبة على ثقافته وتاريخه. لقد أتى الامريكيين الى اليابان وهم على اقتناع بان المؤسسات والقوانين وحدها قادرة على تغيير سلوك وتصرفات المواطنين في أي دولة. ومن هذه القناعة انطلقوا في تغيير دور ووظيفة كل المؤسسات التقليدية وقاموا بسن مجموعة من القوانين لفرض الثقافة الغربية وتحديدا الامريكية على الشعب الياباني. والحقيقة ان كل باحث موضوعي يستطيع أن يستنتج بأن اليابان اليوم وبعد أكثر من ستين (60) سنة من تطبيق هذه النوع من الهندسة السياسية قد حقق نجاحات باهرة وتفوق رهيب في كل المجالات ولكن عكس كل ما خطط له المهندس الامريكي الذى كتب لهم الدستور لغرض إضعافهم وتغريبهم.

(2)  الجغرافي:
يعتبر استخدام الجغرافية السياسية للتفريق بين الدول والسيطرة على الشعوب من اهم الابعاد الاساسية للهندسة السياسية. ولعل خير مثال على ذلك هو استخدام الدول الاوربية في اواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لفكرة "الفصل بين الساحل والداخل" في السيطرة على الدول والشعوب. ولعل من أحسن الامثلة على هذه النوع من الهندسة هو: (أ) الخريطة الجغرافية لدولة تشيلي في جنوب أمريكا والكيفية التي تم بها تكوين هذه الدولة. لقد تم تأسيس دول تشيلي خلال الاستعمار الاسباني لتلك المنطقة. وجمهورية تشيلي اليوم هي عبارة عن المناطق الساحلية لأمريكا الجنوبية وتعتبر اطول دولة في العالم اّذ يقدر طولها بحوالي 4828 كيلومترا. وما أن تحصلت تشيلي على استقلالها من إسبانيا عام 1818 حتى حاولت الدول المجاورة لها السيطرة عليها وكان نتيجة ذلك دخول تشيلي في حروب دامية ومكلفة لسنوات عديدة مع جيرانها. (ب) أما المثال الثاني على استخدام الهندسة السياسية جغرافيا فهو قيام ما يعرف اليوم بجمهورية الصومال. ان هذه الدولة هي فالحقيقة نتاج لصراع الدول الغربية وخصوصا بريطانيا وايطاليا وفرنسا حول ما يعرف بالقرن الأفريقي والعمل على حرمان شعوب المنطقة الذين يعيشون في الداخل من المنفذ البحري. (ج) أما المثال الثالث فهو العملية التي تم بها فصل الساحل عن الداخل في جزيرة العرب وذلك بفصل ما يعرف اليوم بالسعودية و التي تمثل منطقة الداخل عن الساحل المتمثل في دول الكويت والبحرين وقطر والامارات وعُمان واليمن. لقد قامت الدول الغربية بقيادة بريطانيا في القرنيين الثامن والتاسع عشر باتباع هذه الاستراتيجية من اجل الهيمنة والسيطرة على ثروات الشعوب. وقد حققت هذه الدول بذلك نجاحات كبيرة خصوصا عندما كانت البحار والمحيطات هي أهم المنافد في الاتصال بين الدول والقارات قبل اختراع واستخدام الطائرات. (د) أما المثال الرابع على استخدام الهندسة السياسية جغرافيا هو الكيفية التي ثم بها تكوين ما يعرف اليوم بدولة لبنان. يقول الشيخ فتحي يكن رحمه الله في كتابه (المسألة اللبنانية من منظور اسلامي) حول هذا الموضوع: "... في سنة 1920 أعلن الجنرال غورو دولة لبنان الكبير في حين كان لبنان حتى عهد الانتداب الفرنسي جزءا من سوريا ... وفى سنة 1924 أصدر المستعمر الفرنسي قرارا جزّأ بمقتضاه بلاد الشام حيث أعطى المواطنين حرية اختيار الجنسية اللبنانية أو السورية. وبهذا القرار تكوّن الكيان المصطنع وتكوّن بالتالي شعب لبنان, بعد ان فصل عن الجسم الكبير ليعيش هذه التجربة الجديدة! ودولة لبنان هذه تضم الجبل الذى يشكل بأكثريته الطائفة المارونية, والساحل والبقاع اللذين يتشكلان بأكثريتهما من المسلمين. ولقد قامت معارضة عنيفة من سوريين في وجه هذا الإجراء, إلا أنها تلاشت بعد البروتوكول الذى صدر في الاسكندرية والذى أقرت فيه الدول العربية حدود لبنان وكيانه الجديد عام 1944" (يكن , 1979 , ص 15 – 16). ولعل من أهم أهداف هندسة دولة لبنان بهذا الشكل هو تقسيم الوطن العربي والتأكيد على فرقته واستمرارية نفود وهيمنة الغرب فى المنطقة. وكنتيجة لهذه الهندسة سوف تبقي لبنان دولة تحكمها الاقلية أو كما وصفها السيد صائب سلام عام 1950 على إنها "بلد ... لا غالب ... ولا ... مغلوب." و(ه) أما المثال الخامس والأخير على استخدام الهندسة السياسية جغرافيا هو ما قامت به الدولة الليبية عام 1963 من تغيير الخارطة السياسية من دولة تأسست على أساس الولايات الى دولة تديرها وحدات إدارية (عرفت بالمحافظات). لقد نص دستور 1951 للمملكة الليبية 1950 على أن تكون: "ليبيا دولة ديموقراطية، فدرالية، ذات سيادة ...." وقد ثم الاتفاق على ان يكوين نظام الحكم فدرالي يقوم على أساس الولايات الثلاث: برقة وطرابلس وفزان. ولكن بعد حوالي اثني عشر (12) عاماً من هذا الحكم، تم تعديل الدستور وفقاً للقانون رقم 1 لسنة 1963، ونتج عن هذا التعديل إعادة صياغة المادة (176) من الفصـل العاشر، المعنون بــ "الإدارة المحلية" من الدستور، لتقرأ كالآتي: "تقسم المملكة الليبية إلى وحدات إدارية، وفقا للقانون الذي يصدر في هذا الشأن، ويجوز أن تشكل فيها مجالس محلية، ومجالس بلدية، ويحدد القانون نطاق هذه الوحدات، كما ينظم هذه المجالس." وكنتيجة لهذا التعديل، تم إعادة تقسيم ليبيا إلى عشر (10) محافظات بدلا من ثلاث ولايات. وفى اعتقادي إن هذه الهندسة الجديدة قد ساعدت على اضمحلال النزعات الجهوية والقبلية. وكانت أيضا سبب في ان تكون ليبيا أكثر تلاحم واتحاد وأن يكون شعبنا الليبي أكثر تقارب وتعاون (للمزيد من الشرح راجع: بالروين , 2007).

(3)  المؤسسي:
لعل خير مثال على استخدام هذا البعد هو فكرة الجامعة العربية. لقد كان الهدف الاساسي من وراء تكوينها بهذا الشكل وفى ذلك الوقت (أي في عام 1945) هو تمييع فكرة الوحدة العربية وتفريغها من محتواها. لقد قامت بريطانيا بالعمل على تجميع هذه الدويلات في كيان لا يمكن ان يتم فيه الاتفاق على أي قضية أساسية ولا على أي عمل جاد. وذلك بتشجيع هذه الدول على تبنى الاجماع كآلية لأتخاد القرارات. بمعنى ان فكرة جامعة الدول العربية بالصورة التي عليها الان لم تكن الابن الشرعي للشعب العربي الذى كان يحلم بان يكون له دولته الموحدة من الخليج الى المحيط. هذا الحلم الذى دفع بالعرب - وخصوصا عرب المشرق - بمحاربة إخوتهم المسلمين والمطالبة بالانفصال منهم وإعلانهم ما عرف "بالثورة العربية" بزعامة الشريف حسين بعد ان وعدته بريطانيا بان يكون أول زعيم للدولة العربية الموحدة. ونتيجة لهذه العهود قام الشريف حسين بالتحالف مع الانجليز وحماية مصالحهم في حربها ضدّ الدولة العثمانية  أو ما عرف حينذاك بدولة الخلافة  مما قاد الى سقوطها وسيطرت الانجليز والفرنسيين على المنطقة.
وما ان هيمن الإنجليز والفرنسيين على المنطقة حتى ظهرت ألمانيا النازية تهدد مصالحهما مرة آخري وتعلن بداية الحرب العالمية الثانية. ونتيجة لتخوف بريطانيا من تحالف مستعمراتها العربية مع الالمان قامت بوعد قادة العرب مرة آخري بالاستقلال بعد نهاية الحرب والعمل على توحيدهم. ولكى تثبت بريطانيا مصداقيتها هذه المرة قدمت مشروع ما يعرف اليوم بالجامعة العربية. وكان أول من نادى بهذا المشروع هو وزير خارجيتها أنتوني إيدن عام 1941. وفى هذا الصدد يقول الاستاد أحمد الرشيدي في مقال له بعنوان الجامعة العربية: 55 عاما على طريق العمل العربي المشترك "... بأن بريطانيا كانت هي القوة الدولية الكبرى التي اضطلعت بدور مهم في مجال الإعداد لإنشاء جامعة الدول العربية، وذلك تحقيقا لأهداف سياستها - أي بريطانيا - في المنطقة وقتئذ. فقد كانت تصريحات المسؤولين البريطانيين حول مسألة الوحدة العربية والمشاريع التي كانت مطروحة في أوائل الأربعينيات من القرن العشرين بقصد تحقيق هذه الوحدة بمثابة الضوء الأخضر للعديد من القيادات العربية لبدء سلسلة من الاتصالات الثنائية والجماعية ولتنظيم عدد من المشاورات لدراسة فكرة إقامة تنظيم عربي واحد يجمع شمل الأقطار العربية...." (الرشيدى , 2009).
وعندما نادى الوزير البريطاني أنتونى إيدن فى أول الامر لم يستجب له أحد وذلك لان أكثر حكام الدول لم يصدقوا ما يقوله الوزير نتيجة لعدم وفاء بريطانيا بعهودها السابقة. ولكن الوزير استمر فى الدعوة وفى عام 1943 أصدر بيان آخر يدعو فيه العرب الى إنشاء جامعة الدول العربية. وفى هذه السنه "طُلب من الوزير المصري مصطفى النحاس - وكانت مصر تحت الاحتلال الانجليزي - أن يتبنى الفكرة وكان رئيساً للوزراء، وبالفعل بعد شهر من مناداة إيدن طلب الوزير المصري الدول العربية لتبني مشروع جامعة الدول العربية وتمت المشاورات بين قادة العرب ..." (الجزيرة نت, 2009). وفي 7 من أكتوبر 1944 عقدت اللجنة التحضيرية اجتماعًا في الإسكندرية اختتم بإصدار ما يعرف "بروتوكول الإسكندرية" الذي إنشاء جامعة الدول العربية. وفي 22 من مارس 1945 وقّعت كل من مصر والسعودية والأردن والعراق ولبنان وسوريا واليمن على هذا الميثاق. ولعل من أهم معالم الهندسة السياسية لهذه الفكرة الاتي:

(1)  رفض فكرة الدولة العربية الواحدة أو أي آلية تقود اليها. فقد "برزت خلال المؤتمر عدة اتجاهات أهمها اتجاه لتكوين وحدة تضم عددًا من الدول في دولة واحدة تسمّى سوريا الكبرى، وبرز اتجاه آخر يرى ضرورة توحيد دول الهلال الخصيب في دولة واحدة، وكان هناك اتجاه ثالث يرى إيجاد جامعة تضم جميع الدول العربية المستقلة حينذاك وتكريس التعاون بين هذه الدول، دون أن تفقد سيادتها واستقلالها"(جامعة الدول العربية , 2009).

(2)  تبنى أليه للتصويت في مجلس الجامعة يؤكد مبدا الاجماع في أتخاد القرارات. إذ تنص "المادة السابعة من الميثاق على أن ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزما لجميع الدول المشتركة في الجامعة وما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزما لمن يقبله. غير أن الميثاق لا يشترط الإجماع في كل الحالات المعروضة لأن الإجماع غير مطلوب إلا عند اتخاذ التدابير اللازمة لدفع العدوان على إحدى دول الجامعة أو عند اتخاذ قرار حول فصل أحد الأعضاء من الجامعة" (الجزيرة نت, 2009).

والخلاصة ان بهذه الهندسة السياسية استطاعت بريطانيا أن تجمع الدول العربية حولها وأن تحقق هدفها القائم على مبدأ "تجميع العرب من أجل تفريقهم." بمعني لقد استطاعت بريطانيا ان توفر للعرب مؤسسة يجتمعوا فيها ولكن لن توحدهم ولن تسهل لهم الاجماع على اي شيء مهم ومفيد لهم. ومن ذلك الحين تحول حلم الوطن العربي من أمنية يريدها كل العرب الى مجرد تعبير جغرافي أكثر منه وطن حقيقي. وكنتيجة لهذه السياسة الخبيثة ماتت هذه الفكرة قبل أن تولد. ليس هذا فقط بل وللأسف الشديد تحولت هذه الفكرة اليوم الى مجرد شعار وربما نقول "وهم" لا يحمل أي مصداقية حتى عند الاغلبية الساحقة ممن ينادون به.

الخاتمة
لعل خير ما أختم به هذا المقال هو التأكيد علي ما ذكرته أعلاه بأن الهندسة السياسية تعني ان الانسان يستطيع بأسلوب علمي ومنهجي تغيير مجتمعه عن طريق تغيير المؤسسات والقوانين والعمليات السياسية فيه. وعن طريقها يستطيع الانسان أيضا الانتقال من عالم الشعارات الى عالم البرامج ومن حالة الفوضى الى حالة المهنية والتنظيم. وهذا يتطلب عدم ترك الاشياء الى الصدف وانما لابد من الاهتمام بالأسباب والمعطيات والظروف المتاحة وتسخيرها لتحقيق الأهداف المنشودة. ولابد من قيام المجتمع على أساس مؤسسات وآليات وقوانين حضارية ومتطورة وذلك لما لهذه المؤسسات والآليات والقوانين من دور أساسي ومهم في تشكيل وتطوير الوعى والسلوك الانساني.

وعليه فعلى النخب الحاكمة في كل بلد يريد أن ينهض ويتقدم  أن تعي بأن الدعوة والتبشير بالأفكار الميته والتمسك بالمؤسسات العاجزة وتكرار تنفيد السياسات الفاشلة هو في الحقيقة إصرار على استمرار التخلف والفقر والجهل. ولا يمكن فهم وتصنيف هذه الاعمال والتصرفات الا على اعتبارها جريمة في حق الشعب والوطن. وعلى هذه النخب أن تعي بانه لا مخرج من هذا المأزق الا بالاعتماد على الهندسة السياسية لإعادة بناء وتنظيم وترتيب كل ما ثم إفساده. ولابد على هذه النخب أن تعي أيضا بأن ذلك لن يتحقق الا بدعوة كل الخيرين في داخل الوطن وخارجه للبحت على أفكار حية ومفيدة ... واستخدام آليات حديثة ومتطورة ... وإصدار قوانين دستورية وعادلة ... وإعداد كوادر مؤهلة وقادرة بواسطتها يستطيع المجتمع بإذن الله تغيير أوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي قد تعرقل مسيرته نحو النمو والتقدم والازدهار ...

في الختام يا أحباب مرة آخري لا تنسوا ان هذا مجرد راي ....

والله المستعان


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...