2012/10/23

استقلال البنك المركزي العراقي والرقابة على النقد


استقلال البنك المركزي العراقي والرقابة على النقد

أ.د. زهير الحسني   
يثير الوضع القانوني للهيئات المستقلة في العراق مشكلة العلاقة بين السلطات الثلاث العامة في الدولة في ظل الفصل بين هذه السلطات، فالعلاقة والفصل مفهومان متعارضان بحاجة الى اَلية للجمع بينهما تقوم على التمييز بين المفهوم البنيوي للسلطة والمفهوم الوظيفي، فهناك فصل بنيوي بين السلطات الثلاث حيث تكون أجهزة كل سلطة من هذه السلطات مستقلة من حيث بنائها عن الاخرى بينما يكون المفهوم الوظيفي مفهوما نسبيا.

اولا.الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. يمكن التمييز بين السلطتين حسب النظام السياسي :
اَ-الفصل التام . يوجد فصل وظيفي تام في النظام الرئاسي حيث لا يمكن لرئيس الدولة حل مجلس النواب ولا يستطيع مجلس النواب سحب الثقة من الحكومة، ولكن هذا الفصل الوظيفي الكامل لا يتعارض مع الرقابة المتبادلة بين السلطتين الناشئة عن طبيعة عمل السلطة ذاتها، فمجلس الشيوخ الاميركي يملك صلاحية التصديق على المعاهدات واعلان الحرب والموافقة على تعيين كبار موظفي الدولة، كما يملك رئيس الجمهورية صلاحية الاعتراض على قرارات الكونغرس، وهكذا تكون الرقابة رقابة وظيفية لاتؤثر في االاستقلال البنيوي للسلطة وتحافظ على التوازن الوظيفي النسبي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية حسب قاعدة مونتسيكو 'السلطة تقيّد السلطة' .
ب-الفصل النسبي: اما في النظام النيابي ونظام الجمعية فان الفصل الوظيفي فصل نسبي غير تام بالنظر لحق مجلس النواب في سحب الثقة من الحكومة وحق السلطة التنفيذية في حل مجلس النواب ما يجعل الرقابة بين السلطتين تمتد من الرقابة البنيوية الى الرقابة الوظيفية، ما دامت الحكومة الآتية من رحم المجلس لاتستطيع العمل الا في ظلّ ثقته بها، فالفصل البنيوي من حيث المبدأ فصل تام في العلاقة البنيوية بين السلطات الثلاث ولكنه يتحرك في النظام النيابي والجمعية بين النسبية والتمام، بينما يكون الفصل الوظيفي فصلا نسبيا يؤثر في التوازن الوظيفي بين هذه السلطات، فالتوازن المتبادل قوي في النظام النيابي ونظام الجمعية الى حد ما، بينما يكون ضعيفا في النظام الرئاسي.
ثانيا.السلطة القضائية: اما السلطة القضائية فانها لا ترتبط باي من السلطتين المذكورتين ارتباطا وظيفيا بسبب طبيعة الوظيفة القضائية التي تقوم على مفهوم دور الحكم في حل النزاعات بين الافراد وبينهم وبين السلطة العامة وبين اجهزة السلطات العامة كذلك فهي ليست طرفا في نزاع مع اي من السلطتين التشريعية او التنفيذية لانها مؤتمنة على حماية كل من الدستور في ازاء السلطة التشريعية و القانون ازاء السلطة التنفيذية. وهي بهذه المثابة تمارس الرقابة الوظيفية عندما تستدعى لذلك من الجهة المعنية عند الاقتضاء وليس من تلقاء ذاتها، وهذه الرقابة اما رقابة على التصرفات القانونية للسلطة التنفيذية برقابة وقف تنفيذ او رقابة الغاء القرار الاداري المخالف لمبدأ الشرعية، او رقابة على السلطة التشريعية عن طريق الرقابة على دستورية القوانين او الوظيفة العامة للقضاء في تفسير وتنفيذ القانون فضلا عن الرقابة الجنائية والتاديبية على الافراد بما فيهم منتسبو السلطات الثلاث، وهكذا ليس للسلطتين التنفيذية والتشريعية سلطة على وظيفة السلطة القضائية من حيث الفصل الوظيفي بين السلطات.
ثالثا. الهيئات المستقلة: يحتاج مفهوم الهيئات المستقلة في ظل دستور 2005 الى تحديد بسبب عدم وضوح هذا التعبير في الدستور من حيث تعريف مفهوم الاستقلال من جهة ومفهوم الارتباط من جهة اخرى.
المطلب الاول/ مفهوم استقلال الهيئات المستقلة
يعد مفهوم الهيئات المستقلة مفهوما جديدا في القانون الدستوري في العراق، وهذه الهيئات ليست سلطة رابعة الى جانب السلطات الثلاث لانها ليست جهازا دستوريا، وانما هي جهاز اداري يحتاج بسبب طبيعة اعماله ان يتمتع بمزيد من الاستقلال الاداري ازاء الاجهزة الحكومية التقليدية كحاجة البنك المركزي لهذه الاستقلالية ازاء وزارة المالية التي تتولى ادارة السياسة المالية للدولة وتبتغي ان تخضع السياسة النقدية لها كذلك . ويحصل التعارض بين هاتين السياستين عندما تنتهج الدول سياسة تنموية هي بطبيعتها سياسة تضخمية مما يتعارض مع السياسة الانكماشية للبنك المركزي الرامية الى الحفاظ على سعر صرف مستقر للدينار العراقي عن طريق رفع سعر الفائدة للحيلولة دون زيادة معدلات التضخم من جهة وعدم اقراض الحكومة للسيطرة على السيولة النقدية من جهة اخرى .ولذا فان البنك المركزي يمتنع عن اقراض الحكومة في الوقت الذي تحتاج فيه الحكومة لهذه السيولة للانفاق على المشاريع التنموية . وهذا جوهر الخلاف بين الحكومة والبنك المركزي، حيث ترى الحكومة انها بحاجة الى اشراك البنك المركزي في العملية التنموية باعتبارها واحدة من اهم اهداف سياسة البنك المركزي والتنسيق معها في ادارة السياسة التنموية للعراق، لا أن يبقى بمنأى عنها متمسكا بسياسة نقدية متصلبة. ومن هنا جاء طلب رئيس الوزراء من المحكمة الاتحادية توضيح العلاقة بين الحكومة والبنك المركزي الذي يحاول ان يتمترس وراء المادة 103 من الدستور التي تقضي بمسؤولية البنك امام مجلس النواب لا امام مجلس الوزراء بما يفيد عدم مسؤوليته امام الحكومة ليبقى متمسكا بسياسته النقدية بمعزل عن السياسة التنموية للعراق. في وقت يشتد ضغط الرأي العام بضرورة اصلاح البنى التحتية والخدمات التي انتهى عمرها التشغيلي وتحتاج الى رؤوس اموال كبيرة تعجز عن توفيرها الموازنة العامة التي تشكل الموازنة الاستثمارية ما يقرب الربع منها، وذلك بسبب الاوضاع الامنية والسياسية غير المستقرة في العراق. وسواء ارتبط البنك المركزي بمجلس الوزراء او بمجلس النواب فان هذا الارتباط يؤثر على مفهوم الاستقلالية التي يدعيها البنك المركزي ، حتى و ان كان ارتباط البنك بمجلس النواب اقل من ارتباطه بمجلس الوزراء، وفي اي من الحالتين فان الارتباط يعني بالضرورة ارتباطه بواحدة من هاتين السلطتين وبذات الدرجة والا لايبقى للارتباط من معنى من الناحية العملية، او ان ينقلب البنك المركزي الى سلطة دستورية رابعة غير مرتبطة باحد، وهذا امر غير موجود في القانون الدستوري. في حين ان العلاقة بين البنك المركزي ومجلس النواب بموجب المادة 103 من الدستور هي علاقة مسؤولية لا علاقة ارتباط، ولذا ينبغي معرفة استقلال هذه الهيئات في اطار المفهوم النسبي البنيوي والوظيفي بالنظر لعدم وجود فصل تام لا بنيوي ولا وظيفي للهيئات المذكورة ازاء السلطة التنفيذية التي تعدّ وتنفذ السياسة الاقتصادية للعراق التنموية والمالية والنقدية على حدّ سواء. وفيما يخص استقلال او ارتباط او مسؤولية البنك المركزي تجاه السلطتين التنفيذية والتشريعية ينبغي ملاحظة الآتي:
1- الاستقلال البنيوي، يتم تعيين محافظ البنك المركزي بترشيح من مجلس الوزراء باعتباره درجة خاصة مع موافقة مجلس النواب عليه، فلا يوجد انتخاب للمحافظ من قبل سلطة ذاتية الصلاحية كما هو الحال في الشركات، حيث يتم تعيين المدير العام المفوض للشركة من قبل الجمعية العمومية او من قبل مجلس ادارة الشركة، وبالتالي فلا يوجد استقلال بنيوي للبنك المركزي العراقي.
1- الاستقلال الوظيفي، تحدد المادة (103) من الدستور مفهوم الاستقلال للهيئات المستقلة في اطار الاستقلال المالي والاداري، وهذا المفهوم حصري وليس على سبيل المثال، ولذا ينبغي فهمه بالمعنى الضيق ولا يجوز التوسع فيه، ذلك ان الفصل اما ان يكون فصلا تاما من جميع جهاته البنيوية والوظيفية واما ان يكون فصلا اداريا وماليا وهو ما نصت عليه المادة 103 التي لم تنص على الفصل التام كما يتوهم البعض بتحميل النص اكثر مما فيه . ويترتب على ذلك ان هذا الاستقلال الوظيفي المالي والاداري لا يمتد الى الاستقلال بالمفهوم الواسع، الذي يقيد صلاحية السلطة التنفيذية الممثلة بمجلس الوزراء في مشاركة البنك المركزي في اصدار العملة ورسم السيولة النقدية كما ورد في المادة 110/ ثالثا من الدستور. ذلك لان النص الدستوري يعلو على القانون بمعنى، انه اذا تعارضت السياسة النقدية وتنفيذها في العراق بين ما يقره مجلس الوزراء وما يقره مجلس ادارة البنك المركزي في هذا المجال وفقا لصلاحيته في المادة 16 من قانون البنك المركزي الصادر بامر سلطة الائتلاف المؤقت ر قم 56 لسنة 2004، فان صلاحية مجلس الوزراء تحدّ من صلاحية البنك المركزي، خاصة وان مجلس الوزراء لا يرسم فقط السياسة النقدية واصدار العملة، كما هو اختصاص البنك المركزي، بل ان مجلس الوزراء يرسم السياسة المالية والتجارية للعراق، مما ينبغي التنسيق بين الطرفين ومنع التعارض بينهما، واذا حصل مثل هذا التعارض فان ما يقرره مجلس الوزراء نافذا في مواجهة البنك المركزي، فالنمو الاقتصادي وتحقيق العمالة الكاملة واستقرار الاسعار وتوازن ميزان المدفوعات مهام لايقوى البنك المركزي على القيام بها منفردا ولامناص من قيام مجلس الوزراء بمهمة صعبة كهذه باشراك البنك المركزي في تنفيذها.
ويؤيد هذا المعنى الدور الذي يقوم به مجلس الوزراء في شأن السياسة النقدية والعملة ما جاء في نص المادة 110 /ثالثا من الدستور التي تنص على جملة من اختصاصات السلطات الاتحادية وهي ادارة البنك المركزي، ولا يمكن ان تتم ادارة السياسة النقدية للدولة دون ربط البنك المركزي بمجلس الوزراء والا فلا يمكن التوفيق بين نصين متعارضين لاول وهلة في الدستور في المادتين 110\ثالثا و102 ؟ وحسب قواعد التفسير ومبادئ التسلسل الاداري فان البنك المركزي يخضع في ممارسة اختصاصه لاشراف مجلس الوزراء طبقا لمبدأ اعمال الكلام اولى من اهماله، حيث ان مجلس الوزراء يتولى صلاحية تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة من جهة والاشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة من جهة اخرى حسب نص المادة 80/اولا من الدستور . وقد فسرت المحكمة الاتحادية العليا الاستقلال الذي تتمتع به الهيئات المستقلة بانه ( عدم الارتباط بوزارة) حسب السياق المستخدم في الدستور. حيث لا يخضع البنك المركزي لوزارة المالية او لغيرها من الوزارات، ويتمتع البنك المركزي في هذا المعنى بالاستقلال الاداري والمالي كما جاء قرار المحكمة رقم 88 لسنة 2010 طبقا لاختصاصها في تفسير الدستور الوارد في المادة 93/ثانيا من الدستور.
المطلب الثاني / مفهوم ارتباط الهيئات المستقلة
تنتاب الدستور العراقي صياغات متعارضة وغامضة احيانا تثير مشاكل في التفسير وفي التنفيذ . فلم يحدد الدستور المقصود بالهيئات المستقلة خاصة وانه تعبير جديد في القانون الدستوري العراقي ادخلته سلطة الائتلاف لاول مرة في الامر 56/2004 (قانون البنك المركزي). ولكن الدستور حدد المقصود بالاستقلال بانه الاستقلال الاداري والمالي في المادة103 ، بينما عرف الامر 56 الاستقلال بانه القدرة المالية والتحريرية والادارية على ممارسة العمل بدون الخضوع الى التاثير او سيطرة الحكومة او لتاثير اي مصالح خارجية غير ملائمة. وهل يفهم بمفهوم المخالفة جواز الخضوع لمصالح خارجية اذا كانت (ملائمة) . وهذا التعريف الاخير هو تعريف الاستقلال بانه الاستقلال التام مقابل الاستقلال الاداري والمالي الوارد في المادة 103 من الدستور . وحيث ان دستور 2005 جاء متاخرا عن الامر56 فلا يمكن مواجهته بهذا الامر لانه يتناقض مع المادة المذكورة التي اخذت بالمعنى الضيق للاستقلال من جهة وان الدستور يعلو على القانون من جهة اخرى . كما لايجوز تخصيص عموم المادة 103 بخصوص الامر 56 لان المادة 103 هي مادة خاصة ازاء البنك المركزي وان المادة 110/ثالثا تقضي بادارة السلطة التنفيذية للبنك المركزي فهو مرتبط بها وغير مستقل عنها فلا يوجد في الدستور استقلال تام للبنك المركزي، وبقدر تعلق الامر بالمركز القانوني للهيئات المستقلة المذكورة في الدستور فان هناك ثلاث مفردات استخدمت في الدستور لتحديد العلاقة بين هذه الهيئات المستقلة واجهزة الدولة الاخرى فيما يأتي:
1- الارتباط، يرتبط بمجلس النواب كل من ديوان الرقابة المالية وهيئة الاعلام والاتصالات كما جاء في المادة 103/ ثانيا من الدستور. ولم يحدد الدستور معنى وكيفية هذا الارتباط، وهو في اَية حال ليس ارتباطاً اداريا لان مجلس النواب جهاز تشريعي وليس جهازا تنفيذيا حتى يرتبط به كل من ديوان الرقابة المالية وهيئة الاعلام والاتصالات ارتباطاً اداريا بما في ذلك الارتباط المالي والاداري الذي لا يمكن ان يكون كذلك لانه يتعارض والمادة 103/ثانيا من الدستور الخاصة بمفهوم الاستقلال المنسوب للبنك المركزي العراقي وديوان الرقابة المالية وهيئة الاعلام والاتصالات ودواوين الاوقاف، بينما لم ينسب مفهوم الاستقلال لغيرها من الهيئات المستقلة الاخرى، ولا يبقى معنى للارتباط سوى المسؤولية امام مجلس النواب من حيث الاداء الوظيفي كما تقتضيه المادة61/ثانيا من الدستور بشأن اختصاص هذا المجلس في الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية سواء تعلق هذا الاداء بالوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة او الهيئات المستقلة على حدّ سواء، علما بان هذا الارتباط لايخص البنك المركزي.
2- الرقابة، وهو المفهوم الوارد في المادة 61/ ثانيا من الدستور التي يختص مجلس النواب بموجبها بممارستها على اداء السلطة التنفيذية بكل اجهزتها، وورد كذلك في المادة 102 بخصوص خضوع المفوضية العليا لحقوق الانسان والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة النزاهة لرقابة مجلس النواب .وبالجمع بين المادتين 61/ثانيا و 102 فان هذه الهيئات لا ترتبط بمجلس النواب وانما تخضع لمسؤولية هذا المجلس من حيث اداؤها الوظيفي شأنها شأن مفهوم الارتباط المذكور اَنفاً، ولا تشير هذه الرقابة الى البنك المركزي كذلك.
3- المسؤولية، لم ترد هذه الكلمة في المادة 61/ثانيا من الدستور المتعلقة برقابة مجلس النواب على اداء السلطة التنفيذية، وانما وردت في سياق المادة 61/سادسا وسابعا وثامنا، بشأن مساءلة رئيس الجمهورية وتوجيه سؤال الى رئيس مجلس الوزراء والوزراء واستيضاح سياسته واداء مجلس الوزراء او احدى الوزارات وتوجيه استجواب الى رئيس مجلس الوزراء او الوزراء لمحاسبتهم عن الشؤون التي تدخل في اختصاصهم، وقد حددت المادة 61/سابعا /ج معنى المسؤولية بالمحاسبة عن الاداء الوظيفي لرئيس مجلس الوزراء والوزراء، واقرنت المادة 61/ثانيا اَ/ هذه المحاسبة بسحب الثقة من احد الوزراء بينما خصت المادة 61/ثانيا /ب، هذه المحاسبة بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء. وهذا التحديد المفيد يعطي لعبارة المسؤولية مصداقية واضحة في سياق اللغة التي يستخدمها الدستور في بيان العلاقة بين مجلس النواب واجهزة السلطة التنفيذية .وبالنظر لخضوع الهيئات المستقلة للمسؤولية امام مجلس النواب شانها شان اجهزة السلطة التنفيذية الاخرى، فان هذا المجلس يملك اختصاص استجواب و اقالة رؤساء هذه الهيئات استنادا الى المادة 61/ثامنا/هـ من الدستور وذلك زيادة في الايضاح، وطبقا لمبدأ الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية.
واذا كان سحب الثقة خاصا بالوزراء وبرئيس مجلس الوزراء فان مفهوم مسؤولية الاجهزة التنفيذية الاخرى بما فيها الهيئات المستقلة ينحصر في اطار توجيه الاسئلة والاستيضاح والاستجواب والاقالة دون سحب الثقة.
وحيث ان العلاقة بين البنك المركزي ومجلس النواب لم ترد لا في ( الارتباط) ولا في اطار ( الرقابة) السياسية او الادارية او المالية، وانما في اطار( المسؤولية) امام مجلس النواب، فان كبار موظفي البنك المركزي بما فيهم المحافظ ونائباه واعضاء مجلس الاداء مسؤولون عن حسن اداء وظيفتهم التي يؤدونها في البنك المركزي امام مجلس النواب، ولذا فلا توجد علاقة (ارتباط) بين البنك المركزي ومجلس النواب، وبما انه لا يمكن لاي جهاز تنفيذي ان يبقى قائما في الفراغ دون الارتباط بهيكل السلطة التنفيذية، فان البنك المركزي لابد ان يرتبط بمجلس الوزراء باعتبارالاخير مسؤول عن رسم وتنفيذ السياسة العامة للدولة بمفهوم المادة 110/ثالثا من الدستور ولا يبقى البنك المركزي خارج اطار هذه السياسة العامة لجمهورية العراق المالية والنقدية وغيره خلافا للدستور .
وقد جاء طلب رئيس مجلس الوزراء المرقم م.ر.ن\اس\110\1086 في 2\12\2010 الى المحكمة الاتحادية باصدار قرار في هذا الموضوع بعد ضعف اداء هذه الهيئات المستقلة والمشاكل الناجمة عن عدم تنفيذ عقود ابرمها عدد من هذه الهيئات وخاصة ما يتعلق بوفاء الجهات المتعاقدة مع هذه الهيئات بالتزاماتها ازاء الخزينة العامة وتلكؤ بعض هذه الهيئات في الاداء.
و لابد من التنويه على ان سياسة البنك المركزي المتطرفة بشأن ارتفاع سعر الفائدة الى 25بالمئة لم تكن لتشجيع القطاع الخاص العراقي على الاستثمار بل ادت الى ضعف الائتمان بسبب نظام الايداع الليلي . واضطر البنك المركزي تحت ضغوط الاقتصاديين ووزارة المالية الى تخفيض سعر الفائدة الى 6بالمئة في الوقت الحاضر ولكن ذلك لم يشجع الاستثمار بسبب تذبذب سعر سعر صرف الدينار. ولا يمكن للبنك المركزي ان يبقى محكوما برد الفعل الناجم عن تدخل النظام السابق في شؤونه، خاصة ما يتعلق باصدار العملة ذلك التدخل الذي ادى الى انهيار قيمة الدينار العراقي، واذا نجح البنك المركزي في حماية النقد الى حدّ ما، فان تذبذب سعر صرف الدينار العراقي يقتضي اعادة النظر في مزاد بيع الدولار الذي سيستنزف العملة الصعبة ويؤدي الى غسيل الاموال. وينبغي تاهيل البنك المركزي للقيام بما من شأنه تحقيق نجاح التنمية الاقتصادية والاستثمار في العراق في وقت تعاني الموازنة الاستثمارية من عجز في تمويل البنى التحتية والخدمات، و من الضروري العمل على مكافحة غسيل الاموال وتفاقم الفساد في اجهزة الدولة تنفيذا لسياسته العامة في الافصاح والشفافية وضرورة تنفيذ قانون مكافحة غسيل الاموال رقم 93/ 2004بالرقابة على الهيئة العامة للكمارك والهيئة العامة للضرائب وتدقيق الاعتمادات المستندية ووثاثق الشحن والفواتير المالية لمنع تحايل التجار والمضاربين بالعملة على القانون وذلك بالتنسيق مع ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة وبالتعاون مع مجلس الوزراء وبدون ذلك لا يستطيع البنك المركزي بمفرده تطبيق قانون مكافحة غسيل الاموال، وهو ما نعاني منه في الوقت الحاضر، ذكر ان الاموال التي هربت خارج العراق خلال السنوات القليلة الماضية وبدون مستندات قانونية بلغت 180 مليار دولار وان 5بالمئة منها تمت وفق القانون.
منشور في جريدة الصباح البغدادية يوم ٢٣ /١٠/ ٢٠١٢ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...