2012/11/23

معايير انتخابية (1)


معايير انتخابية (1)

ماجد عبد الحميد

بهدف تثبيت موقف من المنظمات المدنية و الناشطين المدنيين العراقيين تجاه الاخطاء التي ارتكبت سابقا و قد ترتكب ايضا في الانتخابات التي تعتبر ركن مهم من اركان النظام الديمقراطي الذي نطمح له اقوم هنا بمناقشة عدد من القضايا المهمة حول الانتخابات في العراق للوصول الى عدد من المعايير التي يجب توفرها في العملية الانتخابية القادمة او التي تليها حتى نستطيع مواصلة طريق الديمقراطية ولا نسقط في فخاخ الاستبداد و الطغيان التي توضع امام خطواتنا.

هناك عدد من العناصر التي تكون العملية الانتخابية و التي لها ادوار مهمة في انجازها بالشكل الصحيح و الشكل التالي يوضح هذه العناصر مع التأكيد على مركزية الناخب ضمنها.


لا بد للمراقب المنصف للانتخابات التي جرت في العراق طيلة الفترة السابقة ان يؤشر وجود ظاهرة عدم رضا المواطنين عن اداء المرشحين الذين صوتوا لهم وحالفهم الحظ و فازوا في الانتخابات , وعند اجراء نقاش بسيط مع اغلب الناخبين لمعرفة اسباب اختيار المرشح الذي صوتوا له  نجد حالة غياب (وعي) لدى الناخبين بطريقة الوصول الى قرار موضوعي بشأن التصويت الى مرشح معين.لن نبحث الطرق الخاطئة للتصويت فهي  و مبرراتها كثيرة و الذين يروجون لها من اصحاب المصلحة من المرشحين اكثر منها قطعا لكننا سنبحث في حالة (الوعي) التي يجب ان تتوفر لدى الناخب حتى يستطيع التوصل الى افضل مرشح ممكن للتصويت له.
بداية نود بيان ان الوعي لدى الانسان هو حالة ذهنية تنقسم الى قسمين :
·       وعي ذاتي لدى الانسان بنفسه و حاجاته الضرورية وهو يولد معه على شكل غرائز و عواطف.
·   وعي مكتسب عميق بكونه فرد ضمن مجتمع يسعى الى العيش الكريم المشترك ضمن منظومة من القيم الراقية , وهذا يحتاج الى تربية و تعليم و تدريب منذ الصغر و كلما تأخر الانسان في الحصول عليه اصبح اكتسابه اصعب.
في العراق و نتيجة للظروف الاستثنائية التي خلقتها الحقب المتعاقبة من انظمة حكم شمولية و استبدادية متخلفة نجد ان القسم الاول من الوعي هو الابرز و الاكثر تأثيرا في الانسان وهذا نتاج طبيعي لكل بيئة مشابه لبيئة العراق في تلك الفترة و يمكننا ان نجد هذا النتاج في كل بلد اخر مر بذات الظروف وكذلك أكدت احداث الصراع المسلح و الجرائم الارهابية التي اعقبت عام 2003 و القتل الطائفي من وعي الانسان العراقي بذاته و قللت من وعيه المكتسب . ويمكن لنا ان نرتب عناصر الوعي الانتخابي لدى الفرد العراقي في الفترة الماضية و حتى الان حسب الهرمية التي في الصورة , هذه الهرمية استغلت من قبل الكيانات السياسية بشكل بشع في الانتخابات المتعاقبة و ما زالت تستغلها و تحاول ترسيخها من خلال افتعال الازمات المختلفة لصد أي محاولة لإصلاح هذا الهرم المقلوب الذي يولد مشاكل اكثر مما يحلها, نحن بحاجة الى برامج فعالة و طويلة الامد لقلب هذا الهرم و جعل الوعي الوطني هو القاعدة العريضة التي تشمل الجميع و تدفعهم الى الاختيار على اساسها و ليس لأي سبب اخر.


ما هو المقصود بالوعي الوطني ؟  هو معرفة الناخب بالاختيار الذي يحقق المصلحة العليا للبلد او الاقرب لتحقيقها و معرفته ان مصلحته الشخصية او مصلحة طائفته او قوميته لا يمكن ان تتقاطع مع المصلحة العليا للبلد حتى لو تقاطعت على المدى القصير او هكذا صور له البعض فأن تصويته بناء على مصلحته الشخصية او مصلحة طائفته او قوميته سرعان ما ينقلب الى ضد ما اراد و تكون خسارته و خسارة بلده اكبر من أي مصلحة شخصية تحققت. كل هذه الافكار يجب ان يستوعبها الناخب حتى يستطيع ان يوصف وعيه بالوطني.
متى يولد الوعي الوطني لدى الناخب ؟ من المؤكد ان الوعي ( الوطني ) لدى الناخب لا يولد لحظة التصويت او قبلها بيوم او سنة بل هو نتيجة عملية تربية و تعليم و تدريب طويلة الامد تتراكم مفرداته و حيثياته لدى الناخب مع مرور السنوات و الخبرات المكتسبة لذلك تحتاج عملية بناء الوعي الى تخطيط و توظيف لموارد و عناصر كثيرة حتى نصل الى ناخب يتمتع بالوعي في لحظة التصويت , الجهات التي تتحمل مسؤولية بناء الوعي لدى الناخب كثيرة و تتشارك المسؤولية على وجه التضامن فيما بينها و الجهة ذات المسؤولية الاكبر هي بلا شك السلطة التنفيذية بما تمتلكه من سلطة على موارد البلد الضخمة التي تتيح لها امكانية المساهمة الفعالة في بناء الوعي الوطني لدى الناخب من الصغر لحين البلوغ و مواصلة التحفيز و التذكير و هذه العملية يمكن ان تتم بيسر و سهولة من خلال المؤسسات التربوية و التعليمية التابعة لوزارة التربية و التعليم و المؤسسات الاكاديمية التابعة لوزارة التعليم العالي و البحث العلمي على ان تتولى وزارة الشباب و الرياضة متابعة المتسربين من مؤسسات هذين الوزارتين و استيعابهم لتعليمهم و تدريبهم من خلال مؤسساتها و بالمشاركة مع وزارة الثقافة و مؤسساتها خصوصا المسرح و السينما.
ثم يستكمل الاعلام دوره الحيوي في عملية التربية و التعليم لبناء الوعي الوطني لدى الناخب بمشاركة فعالة مع منظمات المجتمع المدني التي يتوفر لديها حاليا طاقات فكرية كبيرة تستطيع ان توصل الافكار للناخب نتيجة التدريب و الممارسة التي اكتسبتها هذه المنظمات و المتطوعين الناشطين فيها خلال السنوات الماضية , ان غياب دور السلطة التنفيذية في بناء الوعي لدى الناخب يسبب خسائر معنوية كبيرة تتبعها خسائر مادية اكبر نتيجة سوء استخدام الناخب لحقه في التصويت و المصلحة الانية التي تراها الكيانات السياسية المشاركة في العملية السياسية و التي تتحكم في السلطة التنفيذية و التي تستفيد من حالة غياب الوعي الوطني لدى الناخب سوف تكون فرصة لتحقيق خسائر كبيرة للديمقراطية في العراق نتيجة تزايد الاحباط لدى الناخب بعد كل عملية انتخابية و هذا الاحباط يمكن ان يستغل من الكثير من الجهات المحلية و الاجنبية لتهيئة و تنفيذ عملية العودة بالعراق الى الحكم الاستبدادي بحجة فشل التجربة الديمقراطية و بحجة عدم مقدرة الناخب العراقي على التصويت و الاختيار بصورة صحيحة ولدينا في تاريخنا اكثر من سابقة في التدخل الاجنبي مباشرة او عن طريق اطراف داخلية لتغيير انظمة الحكم.
نثبت هنا معيار مهم جدا في العملية الانتخابية هو معيار (الوعي) لدى الناخب و نطالب به كمنظمات مدنية مهتمة بنجاح العملية الديمقراطية و من اهم اركانها الانتخابات و قد عرفنا ايضا كيف نبني الوعي لدى الناخب و متى و من المسؤول عن ذلك.


الان ننتقل لبحث تركيبة الوعي الانتخابي نفسه و اجزائه الضرورية التي يجب توفرها لدى الناخب حتى يستطيع ان يكون قادرا على التصويت الى افضل مرشح او الاقرب الى وصف الافضل:
1-  الوعي بحاجات الناخب و المشاكل التي يعاني منها و مدى عموميتها و اولويتها , على الناخب الذي يتمتع بالوعي الوطني ان يقدم المشاكل و الحاجات ذات الصفة العامة التي يعاني منها اكثر الناس في بلده او محافظته او مدينته او منطقته وفي حالة وجود اكثر من مشكله او حاجة تتساوى في حجم المعاناة يجب ان يكون قادرا على ترتيب الاولوية  حسب الامكانيات و الاهمية و من المؤكد ان الناخب مهما كان غنيا و مستكفيا و غير متأثر بهذه المشاكل و الحاجات فانه سوف يشارك بصورة من الصور في المعاناة التي يعاني منها اكثرية الناس المحيطين به  لذا من المهم لدى الجميع ان تحل المشاكل العامة و تلبى الحاجات العامة لكي تقل التأثيرات السلبية المختلفة في المجتمع. ان معرفة المشاكل و الحاجات تعتبر الخطوة الاولى لتثبيت مطالب الناخب من المرشحين و تقييم مدى امكانية المرشحين في فهم هذه المشاكل و الحاجات و ما هي تصوراتهم لمعالجتها و بالتالي الزامهم بالوعود التي قطعوها للناخب و عدم ترك الامر بدون توثيق لهذه الوعود كما جرى سابقا , فقد استخدمت الكيانات السياسية في الانتخابات السابقة خطابات عامة لا تحوي أي وعود محددة لحل مشاكل معينة او تلبية حاجات و كان هناك توجيه بهذا الخطاب حتى لا يتم الزام المرشحين او كياناتهم السياسية بعد الفوز بشيء محدد و فعلا كانت البرامج المقدمة من مختلف المرشحين غير واضحة بل ان بعض المرشحين لم يقدم برامج انتخابية اصلا للناخبين و مع ذلك حصل على الاصوات وفاز , ومنهم من فاز اكثر من مرة في الانتخابات بدون ان يحقق أي منجز او يحل مشكلة و يلبي حاجة عامة وهذا دليل على غياب الوعي لدى الناخب العراقي.
2-  الوعي بطريقة تقييم المرشحين كأشخاص و كممثلين لكيانات سياسية,هذا الامر لا يقل اهمية عن النقطة الاولى اعلاه فبدون معرفة كيفية تقييم المرشحين و كياناتهم السياسية سوف يلتبس الامر على الناخب و يقع في اخطاء كبيرة,هناك نقاط جوهرية يمكن للناخب ان يبحث عنها في هذا الصدد وهي:
·   تاريخ المرشح ومؤهلاته العلمية و العملية و اهم نقطة هل يعرف عن هذا المرشح قبل ترشحه الى الانتخابات بفترة كافية نشاطه في خدمة المواطنين و الشأن العام و دفاعه عن المصالح العامة وهل له مواقف مشهودة ام انه برز فجأة وخلال فترة قصيرة قبل الانتخابات ؟ , ثم هل يعرف عنه النزاهة خلال حياته السابقة خصوصا في عمله ؟ , هل يملك المؤهل العلمي المطلوب قانونيا ؟
·   هل المرشح خدم سابقا في منصب عام ؟ كيف كان ادائه ؟ هل قدم انجازات عامة معروفة و قدم خدمات عامة لمن انتخبه سابقا ؟
·   هل المرشح يملك برنامج واقعي يشخص المشاكل و الحاجات العامة وهل قدم لها حلول محتملة محددة ام كان برنامجه عبارة عن وعود غامضة و غير محددة ؟
·   هل الكيان السياسي الذي يتبع له المرشح له حاليا اشخاص في المراكز التنفيذية او التشريعية ؟ كيف ادائهم لواجباتهم ؟ هل قام الكيان بمراقبتهم و تقييم ادائهم و محاسبتهم في حالة الفشل او حدوث حالة فساد ؟
·   هل قام المرشح او الكيان السياسي باستخدام طرق غير اخلاقية او غير قانونية في التأثير على الناخبين خصوصا الفقراء منهم و استغلالهم بوعود لا يستطيع الايفاء بها مثل الوعد بالتعيين او اعطاء مبالغ زهيدة او هدايا بسيطة لهم شرط التصويت له ؟
·       هل قام المرشح او الكيان السياسي باستغلال المناصب و الموارد الرسمية لأغراض الدعاية الانتخابية ؟
هذه اهم النقاط التي يمكن من خلالها تقييم المرشح و الكيان السياسي من قبل الناخب و التوصل الى قرار حول افضل المرشحين الممكن التصويت لهم.
3-   الوعي بإجراءات و طريقة الادلاء بصوته  قبل و يوم الانتخاب حتى لا يستغل من قبل البعض و يسرق صوته.
4-  الوعي بضرورة متابعة الفائزين في الانتخابات و حق الناخب عليهم حتى لو لم يصوت لهم و تقييم ادائهم و التعبير بحرية عن رأيه فيهم و في كياناتهم السياسية سلبا كان او ايجابا فهم في النهاية يؤدون واجب الخدمة العامة للمواطنين و يتقاضون على ذلك اجور من الاموال العامة.
                                                                                            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...