2013/06/22

رؤية جديدة للموازنات العامة للدولة في العراق 1

رؤية جديدة للموازنات العامة للدولة في العراق

ماجد ابوكلل

القسم الاول

كما تمر الفرص على الاشخاص تمر كذلك على الدول و المجتمعات , قد تكون الفرصة عبارة عن شخص يحمل فكرا جديدا لو قدره مجتمعه و اتبعه و استثمر هذه الفرصة لتطور و ارتقى و تقدم الى الامام و قد تكون الفرصة عبارة عن ثروة طبيعية وهبها الله سبحانه و تعالى الى بلد من البلدان وهنا يكون هذا البلد امام خيارين لا ثالث لهما اما يغتنم هذه الفرصة و يستثمرها بعقلانية و حكمة او يخسر فرصته و يخسر ثروته و يبددها بسوء الاستثمار و سوء الادارة.

العراق ومنذ عقود لديه فرصة ذهبية لم تتوفر لكثير من البلدان الاخرى , هذه الفرصة هي الثروة الطبيعية التي وهبها الله سبحانه لهذا البلد و التي اكتشفت و استغلت منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي, هذه الثروة الناضبة المحدودة هل استثمرها العراق بالشكل الصحيح ؟
للأسف الاجابة معروفة وهي اننا في العراق لم نستثمر ثروتنا بل ان هذه الثروة جلبت لنا الويلات و الماسي التي اصبحنا معها نتمنى ان هذه الثروة لم تكن موجودة.
هذه المقدمة البسيطة هي مدخل الى الموضوع المهم الذي يجب بحثه و باستمرار حتى نتوصل الى افضل الطرق لاستثمار الثروة الطبيعية في بلدنا و نستثمر هذه الفرصة المحدودة الوقت , يجب ان نعرف ان النفط و الغاز معرضين لخطر النضوب او لخطر اخر هو ان يتوصل العالم الى تكنولوجيا جديدة تتيح له انتاج الطاقة التي يحتاجها من مصادر اخرى غير النفط و الغاز و بالتي لن نجد من يشتري نفطنا او تهبط اسعاره الى مستويات ادنى من كلف الانتاج و حينها لن يعود من المجدي اقتصاديا انتاجه و بيعه.
يجب علينا ان نتصور حال العراق لو لم تكن فيه ثروة نفطية اصلا كيف سيكون ؟
يجب علينا ان نتصور حال العراق لو نضبت ثروته النفطية كيف سيكون ؟
هذه من الاسئلة المهمة التي يجب التفكير فيها حتى نستطيع التخطيط لاغتنام فرصة الثروة النفطية و استثمارها بالشكل الصحيح.
الان الموازنة العامة للدولة في العراق تعتمد على الايرادات التي يحققها بيع النفط بنسبة تصل الى  95% , طبعا قبل تصدير النفط كان العراق كباقي دول العالم الاخرى التي لم ينعم الله عليها بنعمة النفط , كان لديه موازنة عامة تعتمد على ايرادات الدولة من الضرائب المختلفة و كان العراق معروف بهوية اقتصاده الزراعية , و بعد السماح للشركات الاجنبية باستثمار النفط من خلال الامتيازات التي منحت لهذه الشركات لم تكن الحكومات العراقية في العهد الملكي تعتمد بشكل كلي على ايرادات النفط كما يجري اليوم بل كانت هذه الايرادات لا تشكل الا نسبة صغيرة من مجمل الايرادات المالية للدولة , ولكن بعد اقامة النظام الجمهوري و بعد تدخل الجيش في السياسة و الانقلابات العسكرية المتتالية اصبح للنفط الدور الاكبر في تمويل الموازنة العامة للدولة.
صحيح ان العراق خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي تحرك باتجاه بناء اسس لقاعدة صناعية واعدة باستثمار اموال النفط ولكن سرعان ما قضت الحروب العبثية التي خاضها العراق على هذه البدايات الخجولة و ادت بالنهاية الى الوضع الحالي وهو الاعتماد شبه الكلي على ايرادات النفط لتمويل الموازنة العامة للدولة.
هذا الوضع غير صحيح و لا يمكن ان يستمر الى الابد و أي شعب واعي و حكومة حريصة على مستقبل شعبها لن يقبلان بترك الامور تمضي هكذا بدون تغيير.
بعد هذه المقدمة سوف اوجز في النقاط التالية ما يمكن ان يوصف بتصحيح لا بد منه للموازنة العامة للدولة ليس فقط من حيث الاعداد و انما ايضا من حيث تخطيط الايرادات و مصادرها و النفقات و ابوابها و طريقة ادارة الموازنة , و بغير هذه النظرة التحليلية الشاملة و التي تغطي كل هذه المجالات لن تنجح أي خطوات محدودة لمعالجة الخلل :
1-  يجب اعادة النظر في سياسة الاعتماد الكلي على النفط لتمويل الموازنة العامة للدولة , يجب ان تدرك جميع الكيانات السياسة و خصوصا الكبيرة منها ان الاستمرار بالاعتماد على هذا المورد السهل و الكبير للمال خطا استراتيجي سوف تكون بل الان نتائجه سيئة , كما ان التخلي عن هذا المورد و بشكل مفاجئ و سريع يعني موت مالي و اقتصادي فوري للدولة العراقية فهو (أي ايرادات النفط) مثل المخدرات التي ادمن عليها النظام المالي و الاقتصادي العراقي و أي محاولة للعلاج يجب ان تكون تدريجية حتى نتخلص من اثار هذا الادمان, يجب ان يكون لدينا رؤية واضحة لطريقة العلاج وهي الرؤية لا بد من ان تشمل التالي :

·   يجب التخلص من صفة التبذير التي اتسمت بها الموازنات العامة للدولة بسبب وفرة الايرادات النفطية و كذلك التخلص من الفساد الذي انتشر خلال تنفيذ المشاريع وادى الى سوء التنفيذ و ذلك بسبب المحاصصة السياسية و توزيع المشاريع على جهات و مقاولين لهم علاقات مع شخصيات سياسية نافذة , لان الانتقال الى سياسة رشيدة في الانفاق مع بقاء هذه الامور وهي الفساد و التبذير سوف يؤدي الى افراغ الموازنة من محتواها وسوف يؤدي الى افقار الدولة و المجتمع و عدم جدوى كل السياسات المالية و الاقتصادية الصحيحة وقد يؤدي الى حدوث ظواهر اجتماعية خطيرة لان الانفاق الحالي يرضي الاعداد الكبيرة من المواطنين الذين يعملون في الدولة و لو تم تطبيق السياسات التصحيحية سوف يخرج الكثير منهم خارج الجهاز الحكومي بكل تأكيد.
·   التقليل من النفقات التشغيلية في الموازنة العامة من خلال وضع سياسة ذكية للتعيينات و اعادة دراسة مؤهلات الموظفين الحاليين و اعادة هيكلة هذا العدد الضخم من العاملين في الدولة من عسكريين و مدنيين و الغاء سياسة التعيين بهدف ارضاء الناخبين (التعيين السياسي) وكل هذا يجب ان تقوم به جهة متخصصة هي (جهاز الخدمة المدنية الاتحادي) و (وزارتي الدفاع و الداخلية الاتحاديتان) على ان يتم اعادة تأهيل كل الافراد الذين لا ضرورة لهم تأهيلهم لمهن ممكن ان يعملوا بها في القطاع الخاص ثم يجري نقل خدماتهم الى خارج الجهاز الحكومي المدني او العسكري حسب ترتيب معين بحيث لا نعرض عوائلهم الى مشكلة انقطاع الرزق و تعريضهم الى العوز, الهدف من كل هذا هو الوصول الى جهاز حكومي (مدني و عسكري) محترف و فعال و محدود العدد يعتمد على النوع وليس الكم , كما ان ضغط النفقات الاخرى (غير الرواتب و الاجور) مهم جدا , فمن المعروف ان القسم التشغيلي من الموازنة العامة يحتوي بدوره على جزء رأسمالي هو عبارة عن نفقات شراء السيارات و الاثاث و البنايات و غيرها من امور رأسمالية وهي تمثل هدر كبير للمال العام يجب التخلص منه من خلال فرض سياسة شراء مقيدة بضوابط كما يجري في كثير من دول العالم و هذه الضوابط تشمل حتى تصميم البنايات التي تستغل كدوائر و منشآت حكومية و تشمل نوعية الاثاث و عدده و توزيعه في الدوائر , كل هذه الامور يجب ان تؤخذ بالحسبان وألا سوف يستمر الهدر الذي نراه اليوم.
·    بدلا من تعيين اعداد كبيرة من المواطنين في وظائف ثابتة لتوفير مورد مالي لهم لإعالة اسرهم مع عدم الحاجة الحقيقة لخدماتهم او مع عدم توفر المؤهلات المطلوبة فيهم يجب التفكير في حل اخر يضمن لهم اسباب العيش الكريم المؤقت من جهة و يحفزهم على العمل خارج الجهاز الحكومي , و يكون هذا الحل عن طريق توفير الضمان الاجتماعي لكل المواطنين , ضمان اجتماعي فعال و ذكي من خلال تأهيل جهاز حكومي و تشريع ينظم عمل هذا الجهاز و تدريب العاملين فيه على ان يكون عددهم كافيا لحجم العمل المتوقع , يوفر هذا الجهاز الجديد الضمان لكل مواطن و مواطنة قادر على العمل و لكنه لا يجد فرصة عمل مناسبة لمؤهلاته على ان يقترن الدعم المقدم له بالسعي الجاد من قبل المواطن و المواطنة و من قبل جهاز الضمان الاجتماعي مشتركين لبناء مهارات و قدرات جديدة تؤهله الى التحول من متلقي للدعم الى شخص منتج و قادر على المساهمة الاقتصادية في المجتمع, وهكذا يكون الضمان و الدعم قد وصل الى كل مستحقيه و تحول من دائمي الى مؤقت.
·   يجب التخلص من الرواتب و الامتيازات التي منحت خلال الفترة الماضية الى اعضاء المجالس السياسية المنتخبة و كذلك الرواتب التقاعدية و اعادة الامر الى دائرة القانون و الانصاف.
·   بعد تصحيح النفقات التشغيلية بشقيها (الاعتيادي) و (غير الاعتيادي) او (التشغيلي ) و (الاستثماري الرأسمالي) يجب التوجه الان (وليس قبل ذلك) الى تحويل الفائض و هو سيكون كبيرا ولا شك من الايرادات النفطية الى القسم الاستثماري من الموازنة العامة للدولة على شكل نفقات رأسمالية , و الحقيقة ان المقصود بالنفقات الرأسمالية هنا هي الانفاق على المشاريع المختلفة و كذلك الانفاق على بناء الانسان العراقي و تربيته و تعليمه بما يضمن تحويله الى انسان منتج ومفيد في المجتمع و ليس فقط بناء المشاريع لوحده فالإنفاق الرأسمالي هو انفاق على البناء المادي و المعنوي لان هذه النفقات بالنتيجة سوف تكوّن الموجودات الثابتة التي نريدها في البلد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...