2015/06/20

جدلية العلاقة بين المؤسسات المدنية و السلطات العامة

جدلية العلاقة بين المؤسسات المدنية و السلطات العامة

ماجد ابوكلل

الجميع يعترف ان المؤسسات المدنية ( مؤسسات المجتمع المدني ) بصورتها العصرية الحديثة تعتبر جديدة على العراق ( حكومة و شعبا ) , فنتيجة لعقود من الحكم الشمولي و القمع فقد العراق صلته بحركة المجتمع المدني في باقي اجزاء العالم .
اليوم هناك جدل في العراق خصوصا بين المثقفين او لنقل المتعلمين حول شكل العلاقة ( المثالية ) بين مؤسسات المجتمع المدني بمختلف صورها ( و بالخصوص المنظمات غير الحكومية ) و بين السلطات العامة و يتراوح هذا الجدل بين وجهات النظر الاتية :

1- هناك من يعتقد ان هذه العلاقة يجب ان تكون متوترة دائما لانها بين ( خصمين ) او ( نقيضين ) وان اي تقارب او تناغم بين الطرفين يعني ان المؤسسات المدنية قد فقدت شرعيتها في تمثيل المواطنين امام السلطات العامة ( على افتراض ان هذه المنظمات هي حلقة وصل بين المواطنين و المسؤولين ) و على افتراض اخر ان المسؤولين دائما يظلمون المواطنين و بالتالي تقوم هذه المؤسسات المدنية بمحاولة استخلاص حقوق المواطنين من المسؤولين , واي تقارب محتمل يعني ان القائمين على المؤسسات المدنية سقطوا في فخ المسؤولين او انهم حصلوا على ( رشوة ) من المسؤول .
2- و هناك من يعتقد ان دور مؤسسات المجتمع المدني هو مكمل لدور السلطات العامة و داعم لها في كل المواقف لكون هذه السلطات هي منتخبة و تمثل الشعب و كل جهة تحاول مخاصمتها او السير عكس ارادتها هي بالحقيقة تخدم اعداء العراق و بالتالي هي ( عميلة ) و ( خائنة ) و يجب ان تحاسب و ان مؤسسات المجتمع المدني تمارس دور المعارضة لتخدم اجندات خارجية مدفوعة الثمن من قبل منظمات دولية هي في حقيقتها واجهات لاجهزة استخبارات اجنبية و بالتالي يضع معيار التوافق مع الحكومة او معارضتها لمعرفة العملاء من الوطنيين من الناشطين المدنين العاملين في المؤسسات المدنية.

لو ناقشنا وجهات النظر السابقة بموضوعية و طبقا لادبيات المجتمع المدني و ما وصل له هذا المجتمع و مؤسساته في الدول المتحضرة التي سبقتنا في هذا الميدان لوجدنا الاتي:
1- ان المعيار في صحة العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني و السلطات العامة ليس هو مدى التوافق او الاختلاف بين الاثنين و ليس هو الطبيعة المتوترة او المنسجمة لهذه العلاقة فهذا معيار خاطئ و من يعمل به لم يفهم طبيعة عمل مؤسسات المجتمع المدني , لا يمكن ان تكون علاقة مؤسسات المجتمع المدني متوترة مع السلطات العامة على طول الخط و لا يمكن ان تكون هذه العلاقة منسجمة و رائقة على طول الخط فهذا يلغي الموضوعية و يلغي الاستقلالية التي يجب ان تتمتع بها مؤسسات المجتمع المدني , اذا ما هو شكل العلاقة الصحيح بين هذه المؤسسات و السلطات العامة ؟
يجب ان تكون علاقة اعتراف متبادل بدور و مسؤوليات كل طرف و يجب ان تكون علاقة مبنية على المواقف لكل طرف من المصلحة العليا للبلد و للشعب و كذلك مبنية على معيار الدستور و القانون و حقوق الانسان حيث تقوم مؤسسات المجتمع المدني بتحليل الاجراءات و المواقف التي تتخذها السلطات العامة طبقا لبعدها او قربها من الدستور و القانون و حقوق الانسان و بعد الوصول الى نتيجة تتحرك طبقا لذلك ان كان التحرك مع او ضد موقف او اجراء معين بالتحديد و ليس بالمطلق وهذه هي العلاقة الصحية و الصحيحة و يجب على الجميع ان يتعلم كيف تكون هذه العلاقة ايجابية لكل الاطراف حيث تلعب هنا المؤسسات المدنية دور المراقب المستقل عن المصالح السياسية و الشخصية للمسؤول و تمثل مصالح الشعب جماعة او فئات و بالتالي تحاول ان تصحح اي انحراف يجري من قبل المسؤولين عن المصلحة العامة بوسائل حضارية مدنية .
2- يجب على الناشطين المدنيين تعلم كل ما هو ضروري لزيادة قدرتهم على تحليل المواقف و الاجراءات و خصوصا الالمام بالدستور و القانون و حقوق الانسان , بل و التعمق بما هو ضروري في اختصاصات دقيقة و هذا يمكن ان نراه في الواقع من خلال انخراط المتخصصين من الاساتذة و الخبراء في العمل المدني التطوعي و بالتالي توفير خبرات قد لا تتوفر لكل السلطات العامة و هنا سوف يكون لمؤسسات المجتمع المدني دور مبادر و ريادي و لا يقتصر على المراقبة و الرصد , و لا بد هنا من تحقيق تفاهم بين المؤسسات المدنية و السلطات العامة لانه بدون التفاهم لا يمكن ان يلعب المجتمع المدني دور المبادر الى طرح الحلول المبتكرة لكثير من المشاكل التي قد لا تتمكن السلطات العامة من حلها.
3- هناك من يستسهل المعارضة بصورتها ( السلبية ) و لكنه لا يستطيع العمل في ميدان المعارضة بصورتها ( الايجابية ) و هي التفكير في المشاكل بهدف ايجاد الحلول , و هناك من المسؤولين من يكون مسكونا بفكرة ان المجتمع المدني و الناشطين المدنيين هم في الحقيقة خصوم او منافسين محتملين حاليا او مستقبلا فتراه دائم الرفض لهم و يمتنع عن منحهم اي فرصة للمساعدته في حل مشاكل المواطنين و بالتالي يكون اسيرا لحبه الشديد للسلطة و المنصب و يخسر فرص كثيرة لخدمة الناس و في المحصلة لخدمة نفسه لانه لو تعاون مع مؤسسات المجتمع المدني سيكون النجاح حليفه و لكن في حالة عدم التعاون سيكون الفشل حليفه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...