2012/02/21

رفض مشروع قانون حرية التعبير

نواصل مع مشروع قانون حرية التعبير و التظاهر السلمي الذي رفعته الحكومة الى مجلس النواب لمناقشته و المصادقة عليه , كنت قد كتب موضوع سابق حول علاقة حرية التعبير بموضوع التنمية و لماذا نهتم بحرية التعبير كناشطين تنمويين , اليوم اريد ان اوضح قضايا جوهرية يجب اخذها بالاعتبار في موضوع صياغة قانون لحرية التعبير في العراق .

بسبب تاريخ العراق السياسي المتسم بالتسلط الدكتاتوري خصوصا خلال 60 عام الاخيرة فقد تطبع المواطن العراقي على القمع خصوصا قمع حريته في التعبير بل و في التفكير وهذه حقيقة مؤسفة, و بعد 2003 و تغير النظام السياسي و تغير الدستور في عام 2005 اصبحنا امام فلسفة جديدة تحكم التشريع و تحاول ان تشق طريقها في المجتمع العراقي هي فلسفة حقوق الانسان و الديمقراطية و التمدن الحضاري ( بمعناه الاشمل ) ولكن يجب ان نسأل هنا هل يكفي سقوط النظام الدكتاتوري البعثي عام 2003 في احداث التغييرات المطلوبة في العراق فكريا و اجتماعيا ؟ بالتأكيد الاجابة هي كلا , لذلك يجب على الدولة العراقية من خلال تعاضد السلطات الثلاث و اعترافها بالفسلفة الجديدة المشار لها اعلاه و اعتناقها بغض النظر عن الاختلافات السياسية و التوجهات و المصالح , فهذه الفلسفة ( فلسفة حقوق الانسان و الديمقراطية ) هي المشترك الاكبر الذي يجمع كل افراد الشعب العراقي من اي مذهب او دين او قومية كانوا و الايمان بها هو ايمان بأمل ان يكون مستقبل العراق افضل من حاضره و ماضيه.

لذلك نريد من قانون حرية التعبير ان يكون قانونا يقوم بوظيفتين في نفس الوقت وهما :

1- وظيفة حماية حق التعبير عن الرأي لكل العراقيين , وهذه الحماية نحتاجها في مواطن معروفة يكون المواطن فيها ضعيفا و بحاجة الى الحماية اذا عبر عن رأيه بحرية و لا نحتاج الى هذه الحماية في حالة كون المواطن قويا اذا عبر عن رأيه بحرية , فمتى يحتاج المواطن للحماية اذا عبرعن رأيه ؟ الاجابة تعتمد على رأي المواطن بكل تاكيد فاذا كان رأيه متوافقا مع ما تراه السلطة و ما يراه اغلبية المجتمع فلا اشكال ولا ضرورة لحماية صاحب الرأي بل سيكون مرحبا به بكل تأكيد من الجميع ولكن المشكلة تحدث حينما يكون رأي المواطن مخالفا لما يريد من يقبض على السلطة او من له سلطة اجتماعية وان كانت غير رسمية هنا تكون الحاجة ماسة الى حماية المواطن و حماية رأيه حتى لو كان رأيه خطأ ( حسب وجهة نظرنا ) ما دام المواطن لم يتجاوز على شخص بطريقة ( السب و القذف ) بشكل حقيقي او توجيه تهمه يعاقب عليها القانون بنص واضح فيجب ان يوفر القانون الحماية الكاملة لمن يصرح برأيه ويمنع الاخرين من التعرض له بأي طريقة عنيفة او مؤذية قد ترهبه او تمنعه من التصريح برأيه وهنا لنا وقفة قصيرة , ما هي اكثر الميادين التي يخشى اغلب الناس من التصريح برأيهم علانية خشية الاخرين ؟
أ - الموضوع السياسي : عندما ينتقد مواطن المسؤول و يحاول المسؤول ارهاب الاخرين بأي طريقة من الطرق من المساس به على ان يكون انتقاد المواطن للمسؤول محصور في طريقة ادائه لعمله و ادائه مع عدم توجيه تهمه له بشكل مباشر يمكن ان يعاقب عليها القانون العراقي فيما لو صحت الا اذا كان لدى المواطن الدليل الذي يمكنه تقديمه الى القضاء بهذا الخصوص وهنا يجب ان يتدخل قانون حرية التعبير لحماية المواطن اذا صرح برأيه علانية و انتقد شخص سياسي ان كان فردا او كيانا سياسيا بغض النظر عن مكانة هذا الشخص .
ب - الموضوع الديني : هناك الكثير من الباحثين الاكاديمين و المفكرين الذين لديهم افكار او بحوث علمية على قدر كبير من المصداقية تخص مواضيع دينية او شخصيات مقدسة لدى بعض الطوائف او المذاهب وقد تكون هذه طوائفهم او مذاهبهم ولكنهم يخشون اعلانها صراحة خشية رد فعل جهات دينية او حتى خشية رد فعل الشارع , وهنا يجب على القانون ان يتدخل لحماية هؤلاء و منع قمعهم بحجة احترام المقدسات ما دام الامر صادر من اشخاص لهم مكانة علمية معروفة و ما دام الطرح علميا بحتا.
ج - الموضوع الاجتماعي : هناك الكثير من العادات و الاعراف الاجتماعية المتحكمة في اعداد كبيرة من الشعب و توجه لها الانتقادات بصوت منخفض خشية التعرض الى الاذى هنا يجب ان يتدخل القانون لحماية من ينتقد هذه الاعراف و العادات و يصرح بذلك ما دام الامر بعيدا عن الاهانة المباشرة .

من المؤكد ان هذه الميادين الثلاثة حساسة و تحتاج الى دراية و خبرة لدى السلطة القضائية للتمييز بين الطرح المقبول وغير المقبول في هذه الميادين بهدف حماية اصحاب الرأي و ابعادهم عن الاذى و القمع و كذلك بنفس الوقت منع اي استخدام سيء لحق التعبير عن الرأي بما يهدف الى تغذية الارهاب او الانقسام الطائفي .

اذا في المحصلة يجب ان يكون القانون حامي لحق حرية التعبير وليس منظما فقط له.

2- وظيفة تنمية حق التعبير عن الرأي : وهذه الوظيفة الثانية التي يجب على القانون ان يقوم بها من خلال تنظيم التوعية باساليب التعبير عن الرأي الصحيحة و المقبولة و ذلك من خلال تخصيص تمويل مناسب للجهات التربوية و العلمية و الثقافية في العراق و بشكل مستمر و ثابت لنشر الوعي بحق التعبير عن الرأي بكافة صوره على ان يتم التركيز في التوعية على السلطة القضائية ابتدأ ثم السلطة التنفيذية و باقي افراد الشعب و عدم ترك الامر مشوشا هكذا بين خائف من ممارسة حقه في التعبير عن رأيه و بين متطرف في التعبير عن رأيه متجاوزا على حقوق الاخرين في حفظ كرامتهم و حرمتهم .

حق التعبير عن الرأي حق طبيعي لا يمكن التصرف به بالالغاء او التحجيم من اي جهة كانت و بأي حجة كانت ولكن يحتاج الى توعية و ارشاد لا اكثر و بغير حق التعبير عن الرأي لن تصمد الديمقراطية في العراق.

ماجد ابوكلل
21 شباط 2012


Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...